يا سراجين يا ظلما (!!)

TT

«إن القفزة التي قفزتها المرأة المصرية بعد الحرب العظمى هي سبب هذا الاختلال كله في حياتنا الاجتماعية، وأنا لا أستطيع أن أدعو إلى احتجاب المرأة، ولا أطيق هذا الاحتجاب في عصرنا الحاضر.

لقد عاشت المرأة المصرية في ظلام العصور، تتنفس بمقدار، كما تتنفس السمكة في الماء وتبصر النور من خلال (الشيش) حقيقة ومعنى! وظل مجتمعنا المصري محروما من نداوة المرأة وفضائلها الكامنة، ظل مجتمعنا جافا كئيبا موحشا. وكان لذلك أثر سيئ في أخلاقنا وتقاليدنا وتربيتنا وفنوننا وكل مظاهر نشاطنا وحيويتنا».

الذي كتب هذا الكلام ليس مفكرا (ليبراليا) ولكنه (سيد قطب) ما غيره، وذلك في عام 1940. وعندما عاد من أميركا بعد الدراسة كتب في مجلة «الرسالة» عام 1951، مقالة بعنوان: «ليلة حمراء»، وجاء فيها:

«كنت ليلة في إحدى الكنائس ببلدة جريلي بولاية كولورادو، فقد كنت عضوا في ناديها كما كنت عضوا في عدة نواد كنسية في كل جهة عشت فيها، وبعد أن انتهت الخدمة الدينية في الكنيسة، واشترك في الترتيل فتية وفتيات من الأعضاء، وأدى الآخرون الصلاة، دلفنا من باب جانبي إلى ساحات الرقص الملاصقة لقاعة الصلاة يصل بينهما الباب، وصعد (الأب) إلى مكتبه، وأخذ كل فتى بيد فتاة.

وكانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء والصفراء والزرقاء، وبقليل من المصابيح البيض سالت الساحة بالأقدام والسيقان الفاتنة والتفت الأذرع بالخصور، والتقت الشفاه والصدور.... وكان الجو كله غراما، حينما هبط (الأب) من مكتبه وألقى نظرة فاحصة على المكان ومن في المكان، وشجع الجالسين والجالسات ممن لم يشتركوا في الحلبة على أن ينهضوا فيشاركوا، وكأنما لحظ أن المصابيح البيض تفسد ذلك الجو (الرومانتيكي) الحالم، فراح في رشاقة الأميركاني وخفته يطفئها واحدا واحدا، وهو يتحاشى أن يعطل حركة الرقص، أو يصدم زوجا من الراقصين في الساحة، وبدأ المكان بالفعل أكثر (رومانتيكية) وغراما.. ثم تقدم إلى (الجراموفون) ليختار أغنية تناسب ذلك الجو، وتشجع القاعدين والقاعدات على المشاركة فيه.

واختار.. اختار أغنية أميركية مشهورة اسمها But baby its cold outside وهي تتضمن حوارا بين فتى وفتاة عائدين من سهرتهما، وقد احتجزها الفتى في داره، وهي تدعوه أن يطلق سراحها، لتعود إلى دارها فقد أمسى الوقت، وأمها تنتظر.. وكلما تذرعت إليه بحجة أجابها بتلك اللازمة للأغنية: (ولكنها يا صغيرتي باردة بالخارج)».

ولكنه بعد منتصف الخمسينات انقلب (180 درجة)، والغريب أنه تأثر بالمفكر الهندي (المودودي) الذي لا يحسن حتى التحدث بالعربية، وفي كتابه (معالم في الطريق) انقلب إلى وحش ظلامي كاسر يكفر المجتمعات برمتها، وكل الأفكار والأعمال والأسماء الإرهابية في العقود الأخيرة، كلها خرجت من تحت عباءته، أمثال: بن لادن والظواهري والزرقاوي والمقدسي والعولقي.

وقد انطبق عليه المثل الشعبي القائل: (يا سراجين يا ظلما)!!

[email protected]