عندما (تفخخ) مكافحة الإرهاب.. بالأجندة الصهيونية

TT

في الوقت الذي تطلب فيه الادارة الامريكية من العالم العربي الاسلامي: التعاون معها في مكافحة الإرهاب، تعمد الى ما يضعف هذا التعاون، وبصورة تبدو متناقضة مع المصالح العليا الامريكية.

ومن ذلك: ان امريكا عمدت الى وضع حركات التحرير الوطني في فلسطين ولبنان في (دائرة الارهاب).

فما معنى ذلك؟.. قد يكون لدى الامريكيين (معنى غيبي) لا ندركه، ولا نعقله من حيث انه معنى لا يمكن التدليل عليه لا عقليا، ولا علميا. بيد ان العالم العربي الاسلامي مضطر الى ان يفهم:

1 ـ ان معنى هذا الموقف: الغاء (الشرعية الدولية). فقد استقر المجتمع الدولي على ان اسرائيل تحتل الضفة والقطاع الفلسطينيين. وثمة وثيقة جماعية تؤكد هذا الاجماع الدولي وتوثقه.. وهذه الوثيقة هي قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967 الذي تنص الفقرة (أ) منه على: «انسحاب القوات المسلحة الاسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الاخير»، اي حرب عام 1967.

وهذا النص يؤكد بالدلالات اللغوية والقانونية والسياسية: ان اسرائيل تحتل الارض الفلسطينية المشار اليها.

2 ـ ومعنى الموقف الأمريكي: الغاء القانون الدولي الذي يكفل لكل شعب ابتلي بالاحتلال: ان يكافح المحتلين حتى تتحرر ارضه من الاحتلال، ويظفر بحقه ـ كسائر الشعوب ـ في الحرية والاستقلال (نذكّر بأن الشعب الامريكي كان من اوائل الشعوب التي مارست الكفاح ضد المحتلين في العصر الحديث، كما نذكر بأنه ليس من العدل: ألا يحب الامريكيون لغيرهم ما أحبوه لأنفسهم).

خلاصة النقطتين السابقتين: ان هناك ارضا محتلة، وان القانون الدولي يتيح لمن احتلت ارضهم ان يكافحوا المحتل. ولذا، فان القانون الدولي يمنع من تسمية هؤلاء المكافحين بالارهابيين. فهل تريد امريكا: الغاء القانون الدولي؟.. ولمصلحة من تفعل ذلك؟

3 ـ ومعناه: انقلاب امريكي على السلوك الامريكي نفسه.. فبعد حرب 1967، اتجهت السياسة الامريكية وجهة ايجابية نسبية بازاء القضية الفلسطينية، لعل من بواكيرها ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (روجرز) إذ قال: «لن يكون هناك سلام دائم بدون حل عادل لهؤلاء الفلسطينيين الذين جعلتهم حربا 1948 و1967 بلا وطن».. ولقد اقترح الرئيس الامريكي الأسبق (جيمي كارتر) هذا الاقتراح: «يجب ان يكون هناك وطن للاجئين الفلسطينيين الذين عانوا لسنوات عديدة. ومن الواضح: ان حصول الفلسطينيين على وطن، وحل مشكلة اللاجئين، أمر ذو اهمية قصوى».. ومنذ ذلك الحين لا تفتأ الولايات المتحدة تقر بأن الضفة والقطاع ارض احتلتها اسرائيل، ويجب ان تجلو عنها.. فهل حصل انقلاب امريكي على المسلمات الامريكية ذاتها؟.. ومتى؟.. في هذه الظروف التي تتطلب مزيدا من العدل والمسؤولية في السياسة الدولية لأسباب كثيرة، من اهمها: تطهير الكوكب الأرضي من كل مناخ يمكن ان يتخلق او يتفاقم فيه ارهاب.

4 ـ ومعناه: التورط في المساواة الظالمة: مساواة المفسدين في الأرض، اي الارهابيين، بالمصلحين فيها وهم الذين يعمرونها ويصلحونها بالكفاح الشريف الحق النبيل من اجل الحرية والاستقلال.

5 ـ ومعناه ارهاب المكافحين في سبيل حقوقهم المشروعة حتى يكفوا عن الكفاح ويبيتوا النية على التوبة الأبدية منه.

6 ـ ومعناه: التشكيك العاصف والقاتل في «أهداف» الحملة الدولية المضادة للارهاب. بمعنى توليد قناعات اضطرارية وراسخة بأن اهداف هذه الحملة، او من اهدافها الحيوية: إنزال الأجندة الصهيونية الخاصة الى الميدان.. وتطبيقها تحت ستار: مكافحة الإرهاب.

وهذا معنى خطر جدا، ومدمر حقا.

معنى خطر تترتب عليه هذه القناعات:

أ ـ ان الاحجام أو الروغان عن تحديد مفهوم مضبوط للارهاب، مقصود به: أن يظل المفهوم عائماً غائماً سائحاً مائعاً متسعاً ـ بوجه خاص ـ للمفاهيم الصهيونية المتعلقة بالارهاب.

ب ـ ان ما تقوم به اسرائيل ليس ارهابا.. ونفي الارهاب عن الافعال الصهيونية في الأرض المحتلة، يفقد مصطلح الارهاب معناه العلمي، ويجرده من مضامينه العملية. اذ ما يكون الارهاب إنْ لم يكن هو احتلال الأرض بالقوة.. وترويع الآمنين وقصفهم بالطائرات والدبابات والصواريخ.. وحصار الشعب الفلسطيني كله وتجويعه.. ما صورة الارهاب ـ الذي يجب ان يقاوم ـ اذا لم تكن صورته: الخطف، والقتل، والاغتيال، وتخريب البيوت والمزارع، وسائر البنى التحتية، والمؤسسات المدنية.. وهل فعل الارهاب في نيويورك وواشنطن شيئاً غير القتل والغدر والترويع والتخريب؟.. ومن الملائم ـ هنا ـ : إيراد كلام دقيق وصادق وعميق لمفكر يهودي امريكي هو (نعوم تشومسكي). فقد قال: «ان مصطلح الارهاب يستخدم على نطاق واسع بما يمكن ان يطلق عليه (الارهاب الجزئي): إرهاب الجماعات الصغيرة، والجماعات المهمشة، ولا يطلق على ارهاب الدولة القوية. ولقد قامت اسرائيل بقصف مقار منظمة التحرير في تونس، وقتلت حوالي 75 شخصا مستخدمة في ذلك قنابل (سمارت). وهذا امر بغيض تماما. ولكن نحن نعتبر عنفنا ليس ارهابا. وانما نعتبر رد الآخرين هو الارهاب».

جـ ـ إن حشر حركات التحرير في فلسطين ولبنان في جحر الارهاب: مطلب صهيوني بحت. وإلا فإن هذه الحركات لم تفجر في نيويورك وواشنطن، ولم تضرب المصالح الامريكية في اي مكان في العالم، على الرغم مما تشعر به على الدوام من دعم امريكي مطلق لاسرائيل.. يُضم الى ذلك: ان هذه الحركات لا علاقة لها بمن توجه اليهم التهم او السهام في افغانستان. وكما قال مصدر فرنسي: «ان فرنسا لم تبادر الى اتخاذ اجراءات ضد هذه الحركات لأنها اعتبرت ان الولايات المتحدة نفسها اقرت بأن المنظمات المعنية لا علاقة لها بتنظيم القاعدة».. وهذا كله يرسخ اليقين بأن وضع حركات التحرير في فلسطين ولبنان في دائرة الارهاب، انما هو تطبيق لأجندة صهيونية معروفة.. ومن المؤكد ان هذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة، لا على المدى القريب، ولا على المدى البعيد، الا اذا كانت امريكا قد قررت ان (الاهواء الصهيونية) هي مصلحتها، وهي أمنها القومي.

د ـ فتح ابواب التقديرات القاصمة للتحالف الدولي، المقوضة لجهود مكافحة الارهاب، المستفزة للعالم الاسلامي. ومن هذه التقديرات الرائجة: ان من اهداف العمل العسكري في افغانستان وما حولها: السيطرة على السلاح النووي الباكستاني، بهذه الصورة او تلك.

منذ اللحظات الاولى التي امتلأت بنذر الرد على الارهاب: دُفعت مسألة السلاح النووي الباكستاني الى السطح. ففي خطابه الأول في هذه الأزمة، طرح الرئيس الباكستاني قضية المحافظة على سلاح باكستان النووي. بل جعل المحافظة على هذا السلاح: احد الدوافع الرئيسة التي دفعته الى الانضمام الى التحالف.. ثم اخذت وسائل الاعلام «!!» تمضغ باسراف هذه المسألة وكأنها تتحدث عن مباراة رياضية غير خشنة!! ومن ذلك ما نشرته مجلة (نيويوركر) الامريكية، إذ قالت: «ان مسؤولين سابقين وحاليين في الحكومة الامريكية قالوا: ان وحدة خاصة من الوحدات الامريكية تجري تدريبات بهدف التمكن من الاستيلاء على الاسلحة النووية الباكستانية في حالة تعرض حكومة الرئيس برويز مشرف للخطر. وان هذه الوحدة الامريكية تتدرب في الوقت الحالي مع فرقة كوماندوس اسرائيلية متخصصة في العمليات وراء خطوط العدو».. ترافق ذلك مع تصريحات بامكانية استخدام السلاح النووي في ضرب افغانستان.. وان الارهابيين قد يكونون يملكون اسلحة الدمار الشامل.. واعتقال ثلاثة من علماء الذرة الباكستانيين الخ.

والسؤال هو: ما علاقة ذلك كله بـ(الأجندة الصهيونية)؟.. علاقته ان اسرائيل، منذ ان عزمت باكستان ـ مضطرة ـ على التفجير النووي، نشطت ـ مع الهند ـ من اجل عمل شيء ما يجهض التجربة في مهدها.. لماذا؟ لأن من (الخطوط الحمراء) الاساسية للمؤسسة الصهيونية: ألا يمتلك العرب ـ والمسلمون بالطبع ـ سلاحا نوويا. وهي خطوط حمراء شارك في صياغتها (ارييل شارون) عام 1981 حيث قال: «هناك خطوط حمراء لن تقبل اسرائيل اجتيازها من جانب العرب. وأهمها: حيازة السلاح النووي. ولو أدى منع ذلك الى شن حرب وقائية».. ولا شك ان هذه الاستراتيجية الصهيونية تشمل كل دولة اسلامية ايضا.

فهل من اهداف الحملة الدولية ـ بقيادة امريكا ـ ضد الارهاب: الاستيلاء على السلاح النووي الباكستاني؟

قد لا يكون هذا الاحتمال وارداً. ولكن (تفخيخ) مكافحة الارهاب بالأجندة الصهيونية يجعل الاحتمال غير مستبعد. وهذه كارثة دونها كارثة التفجير في نيويورك وواشنطن. ومن هنا، فانه ليس من الاستراتيجية الجدية والمسؤولة والناجحة في مكافحة الارهاب: ان تدخل الصهيونية على الخط لتطبيق اجندتها الخاصة. اولا: لأن الصهيونية هي ذاتها مؤسسة ارهابية. وثانيا: لأن المؤسسة الصهيونية تضغط ضغطاً عمودياً لكي يشمل الضرب العسكري دولاً عربية. وثالثاً: لأن العرب والمسلمين لا يستطيعون البقاء في تحالف او تضامن يخدم الاهداف الصهيونية، ويهدر مصالحهم، ويصم حركات التحرير عندهم بوصمة الارهاب. ويستهدف بعضهم بالضرب العسكري كما تريد اسرائيل او الصهيونية.