لا لمعاقبة حزب الله.. نعم للدولة الفلسطينية

TT

بقدر ما تضيق رقعة الخيارات العسكرية الاميركية ازاء حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في افغانستان، بقدر ما توسع واشنطن نطاق حملتها على التنظيمات التي تصنفها بـ«الارهابية» في العالم. وقد اصدرت واشنطن منذ ايام لائحة جديدة تتضمن 22 تنظيما ارهابيا اضافيا، بينها حركتا المقاومة الفلسطينية «حماس» و«الجهاد الاسلامي» وحركة المقاومة اللبنانية «حزب الله»! بهذه اللائحة الجديدة تعلن الادارة الاميركية ان لا فرق بين الارهاب ضد الولايات المتحدة والمقاومة ضد اسرائيل، فقد ساوت واشنطن بين المجموعات الارهابية التي شنت الهجمات على نيويورك وواشنطن، وحركات المقاومة التي تشن الهجمات على تل ابيب ومزارع شبعا. وفي تصوري ان اللائحة الاميركية الجديدة تندرج في خانة دعم اسرائيل اكثر مما هي في سياق مكافحة الارهاب. وقد سارع لبنان، منذ وقوع هجوم 11 ايلول (سبتمبر) الماضي وقبل غيره من دول العالم، الى التمييز بين مفهومي الارهاب والمقاومة، وأبدى استعداده للتعاون الى اقصى حد مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب، لكنه اعترض على فكرة ربط الارهاب بالصراع العربي ـ الاسرائىلي، ودعا الى تحاشي الخلط بين المقاومة التي تحارب الاحتلال الاسرائيلي والارهاب الذي يضرب المدنيين في العالم.

وعملا بمبدأ حق الشعوب في التحرير وتقرير المصير، لا يرى لبنان من موجب لتجميد ارصدة «حزب الله» المالية، كما تطالب واشنطن، لا سيما ان عمليات «حزب الله» ضد اسرائيل هي جزء لا يتجزأ من خيار الدولة اللبنانية ومن اتفاق اللبنانيين في الطائف على انهاء الاحتلال الاسرائيلي بالكامل. وابعد من هذا الواقع السياسي، أرى انه لا يجوز في اي حال من الاحوال ومن الناحية الاخلاقية الصرف وبمعزل عن الحسابات السياسية الضيقة او الواسعة ان نتواطأ مع الولايات المتحدة فنسمح لاسرائيل بأن تقتص من «حزب الله» لمجرد انه يقاوم احتلالها تحت شعار مكافحة الارهاب. لقد باتت المواجهة مع اسرائىل واحدة من القواعد التي يقوم عليها الوفاق الوطني اللبناني. وكل ما يمس «حزب الله» يمس الوحدة اللبنانية. ولا اتردد في القول ان لبنان قادر على ان يتحمل الخلاف مع اي دولة خارجية ولو كان اسمها الولايات المتحدة، لكنه غير قادر على ان يتحمل اي خلاف داخلي مهما تكن مبرراته.

ان التعرض «لحزب الله» بأي شكل من الاشكال يعرض الوحدة الوطنية اللبنانية الى الخطر والاستقرار الى الاهتزاز. ولن يكون اللبنانيون بعقوقين ليوافقوا على ضرب الحزب الذي قدم الدم لتحرير الارض ومقاومة العدو الذي احتل الوطن واستباح فيه كل المحرمات. الاخلاق تمنع والمصلحة اللبنانية تقضي بأن تتجاهل الحكومة اللبنانية اللائحة الاميركية الجديدة. تجدر الاشارة الى ان الضغط الاميركي على لبنان يتعدى في ابعاده نطاق «حزب الله» ليتناول جوهر الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فتحت ستار مكافحة الارهاب تعمل اسرائيل ومعها الولايات المتحدة على القضاء على كل انواع المقاومة ليس فقط في لبنان، بل في فلسطين وفي كل انحاء العالم العربي.

وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا لا سابق لها على العرب من دون ان تعي حجم المعضلات والتحديات التي تواجه الدول العربية نتيجة تصاعد المد الاصولي الاسلامي ونتيجة الانحياز الاميركي لاسرائيل واغفالها حل ازمة الشرق الاوسط. ولم تدرك واشنطن بعد ـ بما فيه الكفاية ـ انه لا يمكنها ان تحظى بتأييد العرب والمسلمين في حربها ضد «طالبان» واسامة بن لادن من دون ان تقدم لهم شيئا من حقوقهم على صعيد الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ولا سيما على صعيد القضية الفلسطينية. فمقابل التعاون العربي والاسلامي مع الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب، ينبغي ان تعرض واشنطن بديلا لهذا التعاون يتمثل في الضغط على اسرائيل للقبول بإعادة الاراضي التي احتلتها عام 1967 وبإقامة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

ان مشكلة المشاكل تتمثل في انحياز الولايات المتحدة الى اسرائيل واصرارها على هذا الانحياز على الرغم من كل صداقاتها العربية ومصالحها في العالم العربي. ومفتاح الحل هو بيد الولايات المتحدة بحد ذاتها اذا ما قررت ان تقلل من انحيازها لاسرائيل وان تتبع سياسة متوازنة، او على الاقل شبه متوازنة. ولا مفر من ان تترجم واشنطن عدم انحيازها ومعادلاتها الجديدة بالضغط على اسرائيل للقبول بحقوق العرب بما فيها الدولة الفلسطينية.

الضغط الاميركي على العرب والمسلمين من دون الضغط على اسرائيل قد يوصل بشكل او بآخر الى تفجر الاوضاع العربية والاسلامية، اما في حال قررت الادارة الاميركية ممارسة الضغط على اسرائيل فإن توازن الضغوطات يسهل الحل. والواقع انه ما دامت اسرائيل مطمئنة الى ان واشنطن لن تمارس عليها الضغوطات، فإن تل ابيب لن تقدم اي تنازل يسهل تسوية النزاع في الشرق الاوسط. وفي ظني انه في حال تبين لقادة اسرائىل ان الولايات المتحدة مصممة على انهاء ازمة الشرق الاوسط، فإن التسوية السلمية ستتم بأسرع مما يتصوره البعض.

واهم ما يساعد على استعادة الحقوق العربية هو اقامة الدولة الفلسطينية واقتناع اكثرية الرأي العام الاميركي بأن استمرار الصراع العربي ـ الاسرائيلي بات يهدد الامن القومي الاميركي، وان عدم الانحياز الاميركي لاسرائيل بات في مصلحة الولايات المتحدة. والى حين يتم هذا التحول السياسي الاميركي، فإن الحرب الاميركية مستمرة من افغانستان الى فلسطين، وقد ترى واشنطن نفسها مضطرة الى اصدار لائحة أخرى تحمل اسماء تنظيمات ارهابية جديدة.. ولكن دونما جدوى. امر مكافحة الارهاب هو عمل سياسي بامتياز، وليس مجرد عمليات عسكرية فحسب.