الحركة والبركة.. والمستقبل

TT

«في الحركة بركة»، كما في القول الشائع، فالحركة سر الحياة ومؤشر استمرارها، فمن سقط بلا «حراك»، فقد مات، والحركة عكس الثبات، فالحركة ديناميكا والثبات ستاتيكا، والحركة ليونة، والثبات جمود، والحركة ميكانيكية التغيير، وتلك بديهيات علم الميكانيكا.

وحركة السوق من عدمها تؤخذ كمؤشر اقتصادي، فإذا ما قيل بأن السوق تحرّك، فذلك يعني مؤشرات مرتفعة واقتصادا نشطا، وإذا قيل عكس ذلك فذاك يعني أن الأمور الاقتصادية ليست على ما يرام.

ويرتبط فعل الحركة بالمستقبل، فهو يسبق الفعل كأداة تشير الى حدوث ذلك الفعل في زمن المستقبل. ففي العربية الفصحى يستعمل فعل «قام» ـ وهو فعل حركة ـ ليدلل على ان الفعل سيحدث في المستقبل، فنقول مثلا: «سأقوم بكتابة الرسالة». وفي العربية الدارجة يستعمل فعل حركة «الرواح» كأداة لزمن المستقبل، فنقول: «أنا راح اروح عالبيت»، وفي الإنجليزية (وخصوصا في الإنجليزية الأمريكية) يستعمل نظير هذا الفعل (gonna) لأداء الغرض نفسه، فيقال: Im gonna go homeوالأمر نفسه في الفرنسية ـ واللغات اللاتينية بشكل عام ـ ففعل aller، أي ذهب في الفرنسية يسبق الفعل ليشير إلى زمن حدوثه في المستقبل، مثل (je vais partir) وترجمتها «سوف أغادر».

وهكذا يرتبط المستقبل وأحداثه وأفعاله بالحركة، والمنطق يربط الحركة بالمستقبل دوما، إلا في ما يسمى بحركة طالبان، فلا هي تنظر إلى المستقبل، ولم تأت فعلا مباركا منذ سيطرتها عنوة على الأمور في أفغانستان المسلمة المنكوبة، فقد قتلت وشردت من شعب أفغانستان أكثر ممن قتله وشرده أعداؤهم، وشرخت مجتمعهم إلى شيعي وسني، وقتلت من قتلت من الشيعة، وارتكبت سوابق بذبحها الدبلوماسيين الإيرانيين في القنصلية الإيرانية ـ الذين كانوا بمثابة الرسل ـ والمسلمون لا يقتلون من يحمل الرسائل لهم من أعدائهم، وذلك بعد سيطرتها على مزار الشريف لأن الإيرانيين كانوا شيعة. ودمّرت تراثا أفغانيا وإنسانيا بتدمير تماثيل بوذا، وتاجرت بالمخدرات لتمويل القاعدة ضاربة عرض الحائط بالاحتياجات الإنسانية لشعب أفغانستان، وعزلت نفسها عن العالم، ولم تحظ باعترافه بها، فكفرت المنظمات الدولية ومن يتعامل معها، واعتقلت موظفي المؤسسات الإنسانية التي تقدم يد العون لمنكوبيها، ومولت الإرهاب وساندته وآوت منظريه وسدنته، وجلبت مزيدا من الخراب والدمار عليها وعلى أفغانستان، كما حرمت المرأة من التعليم والعمل وأعادتها إلى عصور ما قبل التاريخ، وحرّمت التلفزيون والراديو والموسيقى والأدب والشعر والفنون، فكانت النتيجة أن هذه الحركة شر كلها وبدون بركة.