العالم الإسلامي مطالب بالمشاركة في الحرب ضد الإرهاب... ولكن كيف ومتى؟

TT

في أعقاب الهجمات الشريرة التي قام بها الإرهابيون على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، طلب من العالم، وضمنه العالم الاسلامي، الانضمام الى تحالف ضد الارهاب. وينبغي على العالم ـ بما في ذلك العالم الاسلامي ـ أن ينضم الى التحالف لأن الارهاب شر، والناس الطيبون الأبرياء في كل مكان، ومن كل الأديان والمعتقدات، هم الضحايا. وما من أحد في مأمن من أعمال الارهاب، كما دللت الجنسيات التي زادت على الـ 50 ممن لقوا حتفهم في مركز التجارة العالمي في نيويورك.

ولكن ما نراه حتى الآن هو ليس معركة ضد الارهاب بحد ذاته، وانما معركة للتخلص من أولئك الذين شاركوا أو ارتبطوا بالارهابيين المعنيين الذين هاجموا نيويورك وواشنطن، أو جلبهم أمام العدالة. فهل يقصد من التحالف أن يكون ضد هؤلاء الأشخاص فقط، أم أنه حقاً كفاح ضد الارهاب والارهابيين عموماً؟ ان هذا السؤال ذو صلة وثيقة بالموضوع، لأن الهجمات الارهابية الحديثة والمتطورة كانت أمامنا خلال السنوات الخمسين الماضية أو نحو ذلك، وعاش عدد كبير من الناس في خوف، وعانوا، على نحو مؤلم، من هذه الهجمات.

واذا كان للتحالف أن يبقى محدداً بمطاردة المشاركين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر فقط، فهل يمكن أن يكون هناك دعم قوي من الجميع، بمن فيهم أولئك الذين عانوا وما زالوا يعانون وسيستمرون على المعاناة من الهجمات الارهابية؟

سيقول البعض ان الاحداث الأخرى، بالمقارنة مع ما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر، أحداث صغيرة، يصعب ان تعامل كأفعال ارهابية. لكن هل يمكننا أن نعتبر التطهير العرقي الذي قام به الصرب، والذي نجم عنه تعذيب واغتصاب وقتل 200 ألف من البوسنيين، وقتل الفلسطينيين والشيشان، بمن فيهم الأطفال، وعمليات الاختطاف والاغتيال المنظم الكثيرة، والهجمات الاسرائيلية بالصواريخ على المدنيين، والقتل الناجم عن ذلك للاسرائيليين، احداثاً صغيرة؟ هل يمكن ان نعتبر اختطاف وقتل السياح مقبولاً؟

من المؤكد ان كثيراً من الدول لن تنضم الى التحالف اذا كان يقصد منه فقط الانتقام وتدمير التنظيم الارهابي المتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، واذا كنا نريد من الجميع أن يشاركوا في تحالف ضد الارهابيين، يجب ان نجعل الأمر واضحاً من أن كفاحنا ليس فقط ضد ارهابيين معينين وانما ضد كل الارهابيين والارهاب في كل مكان.

ومن اجل القيام بهذا، يجب علينا أن نكون قادرين على تعريف من هم الارهابيون، فنحن نعرف ان كثيرين ممن وصفوا بالارهابيين في الماضي هم الآن، أناس يتمتعون بالاحترام، بل حتى زعماء دول مستقلة. فزعماء جماعة ستيرن جانج وايرجون زفاي ليومي الصهيونية في اسرائيل، والأفريقيان جومو كينياتا وروبرت موجابي، وآخرون، صنفوا، في السابق، باعتبارهم ارهابيين، ولكنهم الآن يجلسون ويلتقون على المآدب مع الملوك والرؤساء. ويعتبر البريطانيون الجيش الجمهوري الايرلندي منظمة ارهابية، لكن كثيراً من الاميركيين يعتقدون أنهم مقاتلون من أجل الحرية، جديرون بالدعم المالي، وبينما يعتبر معظم الارهابيين أناساً لا يتمتعون بالشرعية، فإن بعضهم في الواقع، ضباط وموظفون حكوميون كلفوا بالقيام بأعمال الارهاب.

لقد تلقى اسامة بن لادن الدعم من جانب الولايات المتحدة سابقاً، ولم يكن يعتبر في حينه ارهابياً. أما الآن فيعتبر كذلك. ولست بحاجة الى ذكر الكثير من زعماء أميركا اللاتينية الذين حكموا بلدانهم بالارهاب، وقد نصبتهم ودعمتهم حكومات أجنبية. ولهذا فإننا بحاجة الى التمييز بين المقاتل من اجل الحرية والارهابي. والا فإننا سنحرم أولئك الناس الساعين الى تحرير أنفسهم من الاحتلال الأجنبي أو الحكومات الارهابية من حقوقهم في الكفاح من أجل خلاصهم.

ان أفضل طريقة لتشخيص الارهابيين هي عبر الأعمال المنكرة التي يقترفونها، فحيث يمتلك الناس الحق في تغيير الحكومات عبر وسائل مشروعة، بالفوز بدعم الأغلبية في نظام ديمقراطي مثلاً، فإن أفعال العنف واستخدام القوة أمور غير مبررة. ويجب اعتبار الأعمال التي تخلق الرعب في قلوب الناس العاديين اعمالاً ارهابية، والناس الذين يمارسونها إرهابيين.

ولكن عندما لا تكون هناك سبل للخلاص، فقد يستخدم العنف لمقاومة الأنظمة القمعية أو الحكومات الأجنبية. وحتى في هذه الحالة يجب أن تكون هناك حدود للعنف المستخدم. فهناك أفعال معينة يجب اعتبارها أفعالاً ارهابية، واعتبار مرتكبيها ارهابيين لا بد من اعتبارهم خارجين على القانون وملاحقتهم.

ان الحرب تعني قتل الناس، غير ان القتل باستخدام الغازات السامة محرم من جانب القانون الدولي، واذا كانت أفعال معينة في الحرب غير مشروعة، ففي الكفاح من أجل الحرية أو ضد الظلم يجب اعتبار الأفعال التي ترهب الناس الابرياء غير مشروعة ايضاً. وهكذا فإن خطف الطائرات، وتفجير القنابل في الأماكن العامة، واستخدام الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، وأعمال الابادة الجماعية، واستخدام الغازات والمواد المهلكة الأخرى يجب أن تصنف باعتبارها أعمالاً ارهابية، ويجب أن يصنف مرتكبوها باعتبارهم ارهابيين.

وما أن نعرِّف الارهاب ونحدد من هو الارهابي، فإن العالم كله يمكن أن يشارك بجدية واخلاص في ملاحقة الارهابيين، أياً كانوا، وأينما كانوا، وأياً كانت الأعمال الارهابية التي ارتكبوها. ويتعين أن تمتلك الدول التي هي أهداف للارهاب، الحق في القيام بعمل مشروع ضد الارهابيين أياً كان مكانهم. وربما يتعين أن تكون هناك مجموعة قواعد متفق عليها لمعاقبة الارهابيين.

وما أن نتفق على هذه القضايا الهامة، وعلى أن العملية التي نقوم بها هي ضد جميع الارهابيين، بما في ذلك الحكومات التي ترتكب اعمال الارهاب، يجب ألا يشعر العالم الاسلامي بالتردد في الانضمام الى التحالف والمضي في ملاحقة الارهابيين، واتخاذ اجراءات ضدهم. وهذا لا يعني القول انه ما من احد في العالم الاسلامي يشارك في ملاحقة الارهابيين الآن. غير ان مشاركة العالم الاسلامي ستكون أوثق صلة بالموضوع، لأن المسلمين هم الضحايا المعتادون في الغالب، وهم الذين يعانون أكثر من غيرهم من أعمال الارهاب.

* رئيس وزراء ماليزيا ـ خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»