تقييد إيران في مضيق هرمز

TT

شهد الأسبوعان الماضيان تصعيدا كبيرا في الحرب الكلامية بين إيران والغرب، عندما صرح نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، يوم الأربعاء الماضي، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» بأن الضغوط الاقتصادية الجديدة التي يجري التفكير فيها من قبل الغرب ستكون عالية التكلفة، حيث لن تمر «قطرة من النفط» عبر مضيق هرمز - الممر المائي الاستراتيجي الرئيسي الذي يستخدم كقناة لنقل أكثر من ثلث النفط في العالم - إذا ما تم فرض عقوبات إضافية ضد الجمهورية الإسلامية نتيجة لاستمرارها في تنفيذ برنامجها النووي، كما كان كبير قادة البحرية الإيرانية، العميد بحري حبيب الله سياري، أكثر وضوحا، منذرا بشكل علني بأن بلاده على استعداد للسيطرة على مضيق هرمز إذا لزم الأمر.

وقد عززت إيران هذه التصريحات بإجراءات ملموسة، حيث دشنت يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) مناورات حربية بحرية تستمر لمدة 10 أيام في المضيق، وأعلنت عنها بشكل مكثف، وقد انطوت هذه التدريبات، التي أطلق عليها اسم «ولايتي 90»، على استعراض ضخم للقوة يهدف إلى إيصال رسالة واحدة واضحة، وهي أن النظام الإيراني على استعداد لإغلاق مضيق هرمز في حال ممارسة مزيد من الضغوط على إيران من قبل الغرب، أو الدخول في صراع مباشر معها.

وإيران لديها بالتأكيد القدرة على القيام بذلك، حيث كان المجتمع الاستخباراتي الأميركي قد قدر بشكل علني، منذ فترة طويلة في عام 2004، أن النظام الإيراني ما زال بإمكانه إغلاق المضيق لفترات قصيرة من الوقت، على الرغم من الوجود العسكري الغربي في المنطقة، وقد ساهمت الاستثمارات الإضافية التي قامت بها إيران في قدراتها البحرية في السنوات اللاحقة في زيادة قدرتها على خنق تدفق النفط من منطقة الشرق الأوسط.

ولكن القيام بهذا الأمر سوف يكون له عواقب وخيمة، ليس أقلها ما سيحدث لإيران نفسها، حيث تحتل الجمهورية الإسلامية حاليا منصب ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة «أوبك»، وتصدر ما يقدر بنحو 2.4 مليون برميل يوميا من النفط الخام (معظمها عبر المضيق)، وتشكل مبيعات النفط والغاز الطبيعي، بدورها، نحو 80 في المائة من عائدات صادرات البلاد من العملة الصعبة، وبالتالي يمكن أن يؤدي إغلاق المضيق إلى توجيه ضربه قاصمة للاقتصاد الإيراني المعتمد على الطاقة.

ولكن حتى لو كانت التهديدات الإيرانية مجرد خدعة، إلا أن لها تأثيرا حقيقيا، حيث إنها قد تسببت في حدوث فزع في الأسواق العالمية المتوترة، وخلقت عاملا مثبطا قويا للدول الأوروبية التي تسعى لتطبيق وفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على طهران، إذ إنه على الرغم من تعهد موردي الطاقة الآخرين في منطقة الشرق الأوسط (الذين من أبرزهم المملكة العربية السعودية) بتعويض أيّ نقص قد ينجم عن تصرفات إيران، فإن تلك البلدان تعتمد هي أيضا اعتمادا كبيرا على المضيق لنقل النفط الخام إلى الأسواق العالمية، وبالتالي سيعمل إغلاق المضيق على تحييدها، ومن ثم يحتاج الغرب، بعبارة أخرى، إلى صياغة استجابة استراتيجية لسياسة حافة الهاوية التي تنتهجها إيران، حيث يجب على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف، من أجل القيام بذلك، نقل رسالتين متميزتين لطهران.

الرسالة الأول هي أن أي محاولة لإغلاق المضيق (أو غيرها من وسائل التلاعب) سوف ينظر إليها المجتمع الدولي باعتبارها سببا للحرب، وأن على قادة إيران أن يفهموا أن إغلاق المضيق أو محاولة تضييقه، مهما كانت مؤقتة، من شأنه أن يؤدي إلى قيام القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها عسكريا بفرض سيطرتها على الممر المائي، وهو ما سيجعل النتيجة التي تسعى إيران جاهدة لتجنبها - وهى فرض الحظر على صادراتها النفطية - حقيقة واقعة، وسيضع أميركا وشركاءها الدوليين في موقف أكثر قوة لخنق الجمهورية الإسلامية اقتصاديا.

لكن هذه الديناميكية يمكن أن تنجح ضد إيران أيضا. وإذا ما عملت دول الخليج بالتنسيق مع واشنطن في وضع آلية لحماية ومراقبة المضيق ستجد طهران صعوبة أكبر في استخدام الممر لصالحها.

والحقيقة أن واضعي السياسة الإقليمية يبدو أنهم يفكرون بنفس الشيء إلى حد بعيد، فقد اختتمت اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الرياض بإعلان من الدول الأعضاء بالموافقة على إنشاء اتحاد رسمي ليتضمن تعاونا أمنيا أكبر ودفاعا مشتركا ضد التهديدات الخارجية (مثل إيران). وينبغي أن تشكل مساعدة دول الخليج في ترجمة مثل هذه الرغبة إلى بناء واقعي، يضيق على كيفية إدارة واستغلال النظام الإيراني للمضيق، أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة.

وعبر تهديداتهم الأخيرة، تأمل القيادة الإيرانية في ردع المجتمع الدولي عن توسيع الضغوط الاقتصادية التي تفرض ردا على جهودهم النووية المستمرة. هذا النوع من الخطاب العدائي قد يكون أكثر المؤشرات وضوحا حتى الآن على وجود تأثير حقيقي للعقوبات على النظام الإيراني، وأن قيادته تخشى المزيد من الضغوط ذاتها. ومن ثم ينبغي على واشنطن وحلفائها مواصلة الاستمرار في تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد طهران، بيد أنهم سيحتاجون في هذه الأثناء إلى صياغة استراتيجية لتقييد إيران في المضيق.

* نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية في واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»