الانتخابات البرلمانية: مبارزة حامية على قمة الدولة الخمينية

TT

بدأت إيران هذا الأسبوع - مع اقتراب الموعد النهائي لتسجيل المرشحين - بالاستعداد للانتخابات البرلمانية التي ستعقد في مارس (آذار) المقبل.

ووفقا لما ذكرته وزارة الداخلية، فقد تقدم أكثر من 5000 شخص باستمارات الترشح، مما يشكل انخفاضا بنسبة 32 في المائة مقارنة بالانتخابات السابقة التي عقدت منذ أربع سنوات. وقد يكون هذا الانخفاض راجعا إلى عدة عوامل، منها دعوات مقاطعة الانتخابات التي أطلقتها جماعات المعارضة، والإدراك الذي انتشر على نطاق واسع بأن مجلس الشورى الإسلامي المقبل، الذي يعد بديل البرلمان في إيران، قد يكون أقل قوة من سابقيه خلال العقود الثلاثة الماضية.

ويكشف التحليل العميق لأولئك الذين يسعون للترشح عن الفتور المستمر في الإقبال على هذه العملية. فقبل أربع سنوات، كان المرشحون يأتون من قطاعات عريضة من المجتمع، ولكن الغالبية العظمى منهم هذه المرة يأتون من قبل أجهزة الأمن، والحرس الثوري الإسلامي، وشبكة رجال الدين من الملالي، المعينين من قبل «المرشد الأعلى» علي خامنئي كـ«أئمة لصلاة الجمعة». كما أن التكنوقراط الذين يعملون لحساب الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري موجودون أيضا بأعداد كبيرة.

وعلى الرغم من أنه في الانتخابات السابقة كان هناك العشرات من المرشحين الذين يمثلون فصائل النظام المختلفة، فإنه في هذه المرة، لا يوجد سوى أقل من 20 مرشحا أعضاء في الفصيل الذي يقوده الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، والذي كان يعتبر يوما ما واحدا من «أقوى» رجال الدولة. وقد خسر رفسنجاني معظم مناصبة الرسمية، باستثناء منصب واحد، وهو منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، والذي من المقرر أن يتم التجديد له في هذا المنصب في أبريل (نيسان) المقبل، حيث يتوقع الكثيرون أن يتم نزع هذا المنصب منه أيضا.

وعلى الرغم من دعوات المقاطعة التي أطلقها الفصيل الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، مير حسين موسوي، الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، فإن هناك العشرات من المتقدمين بطلبات الترشح الذين يمثلون هذا الفصيل، كما أن هناك عشرات غيرهم من المتقدمين المتعاطفين مع موسوي.

ويصل عدد المتقدمين الآخرين المعروفين بترددهم للرضوخ لخامنئي إلى نحو 20 شخصا.

ويجب أن تتم الموافقة على طلبات الترشح من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة التي يسيطر عليها رجال الدين من الملالي، من أجل أن يصبح المرء مرشحا، وبالتالي ليس هناك ما يضمن أنه سيتم السماح بترشيح أي شخص معروف بانتقاده «للمرشد الأعلى».

ويدعي الرئيس محمود أحمدي نجاد، على عكس التوقعات، بأنه قد قرر أن يقف على الحياد، رافضا تأييد أي من المرشحين، حيث صرح مكتب أحمدي نجاد بأن: «الرئيس ليس لديه مرشحون».

وهكذا يبدو للوهلة الأولى أن هذه الانتخابات لا تعدو كونها حفلة تنكرية لتأكيد هيمنة خامنئي على المشهد السياسي، ولكن مع ذلك من الممكن أن يكون هذا الانطباع الأولي خادعا، حيث إننا إذا ما أمعنا النظر في طلبات الترشح وجدنا أنها تكشف عن صورة أكثر إثارة للاهتمام.

فعلى الرغم من الخلفيات المتماثلة للمتقدمين بطلبات الترشح، فإنهم قد لا يكونون جميعا من المسبحين بعظمة خامنئي.

وعلى الرغم من أنه في غياب وجود انتخابات حرة من المستحيل تقريبا قياس مدى الدعم الفعلي الذي يحظى به خامنئي، فإن هناك أدلة كثيرة على أنه قد لا يفوز بالأغلبية إذا ما تم عقد انتخابات حرة.

وأحمدي نجاد يدرك ذلك جيدا، وهذا هو السبب في أنه قال - على الرغم من ادعائه الحياد - إنه الزعيم غير الرسمي لفصيل لديه المئات من المتقدمين، وإنه يأمل في أن يكون حاضرا في جميع الدوائر الانتخابية في مارس المقبل.

وكان أحمدي نجاد قد بدأ في بناء قاعدة دعم له منذ سنوات، وهو يأمل بوضوح في تأمين سيطرته على المجلس في المستقبل، كنقطة انطلاق للانتخابات الرئاسية التي ستعقد في 2013، حيث إنه على الرغم من أن القواعد الحالية لا يمكن أن تسمح لأحمدي نجاد بالترشح لفترة ولاية ثالثة، فإنه قد تعلم من «شقيقه»، الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، أن القواعد يمكن تغييرها، وأن المرء عندما يعقد عزمه على أمر ما، فإنه يمكنه أن يظل متشبثا بالرئاسة مدى الحياة.

ويجعل إدمان السلطة من الصعب على أي شخص الخروج من السلطة ببساطه، حيث تم نفي أحد الرؤساء الأربعة السابقين، وهو أبو الحسن بني صدر، بينما اغتيل واحد آخر، وهو محمد علي رجائي، وأصبح خامنئي «المرشد الأعلى»، وظل رفسنجاني يدور في دوائر السلطة لمدة عقدين من الزمان حتى هدأت ثائرته، بينما حاول محمد خاتمي أن يصبح عراب «الإصلاحيين».

وبالتالي فإن فكرة خروج أحمدي نجاد بهدوء من السلطة في عام 2013 هي فكرة سخيفة، كما أنه أيضا من غير المحتمل أن يذهب إلى المنفى، لأنه لن يقبل أحد باستضافته لديه، باستثناء شافيز، وإن كان خيار اغتياله من المؤكد أنه ما زال مطروحا، ولكن هذا الخيار، أيضا، قد لا يكون سهلا كما يبدو للوهلة الأولى، لأنه حتى لو لم يكن سيسمح لأحمدي نجاد بالترشح للرئاسة، فإنه من المؤكد أنه سيعمل على دعم أحد أصدقائه للترشح لهذا المنصب، مثل أسفنديار مشائي.

وقد ادعى أحمدي نجاد في عام 2005 أنه كان يستعد «لخدمة الوطن» منذ الثمانينيات، كما ادعى مشائي أنهما كانا بدآ في الاستعداد لانتخابات الرئاسة في التسعينيات.

ويستخدم أنصار أحمدي نجاد مفهوم التقية الدينية لأغراض سياسية، حيث يعمدون إلى إخفاء الروابط التي تربطهم بالرئيس، من خلال محاولاتهم الظهور بمظهر الأتباع المتعصبين لخامنئي، حتى لا يعطوا «مجلس صيانة الدستور» مبررا لرفض ترشيحهم.

وبمجرد أن يتم عبور هذا الحاجز، فإن شبكة الدعم، التي قام الاثنان ببنائها على مدى سنوات، ستعمل على تكوين أغلبيات لهم.

ولدى فصيل أحمدي نجاد ميزة أخرى، حيث يسيطر على وزارة الداخلية، التي تدير الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، والتي يمكن أن تنتج العدد اللازم من صناديق الاقتراع المملوءة بشكل صحيح، بالإضافة إلى ميزة أخرى وهي انتماء جميع حكام المقاطعات ورؤساء بلديات المدن الكبرى تقريبا إلى هذا الفصيل.

ويعتقد أحمدي نجاد ورفاقه أن الأيديولوجية الخمينية التي يرمز إليها خامنئي، قد ماتت، وأنهم يأملون في إطالة عمر النظام من خلال أيديولوجية جديدة، تتحرك على مسار مختلف على الرغم من استخدامها الخطاب الخميني.

ويمكننا في مقالة مستقبلية أن نناقش الشكل الذي يمكن أن تكون علية هذه الأيديولوجية، ولكن يجب علينا في الوقت الحاضر ألا نرفض الانتخابات المقبلة، باعتبارها لا يوجد من ورائها أي فائدة، نظرا لأن شهر مارس المقبل قد يشهد مبارزة حامية في الطبقات العليا من الدولة الخمينية، في وقت تعاني فيه هذه الدولة من أزمات اقتصادية وسياسية حادة.