هكذا تكون (الواسطة) وإلّا فلا

TT

أتاني وهو (مبرطم)، أي لاوي بوزه، و(بارم ذيله). فقلت بيني وبين نفسي: اللهم اجعله خير، لأنني بصراحة أكره ما أكره أن أتصبح بوجه عكر.

تفاجأت بذلك الوجه (الودر)، يقتحم علي خلوتي دون سابق إنذار، ولا (إحم ولا دستور)، مثلما يقول أبناء عمي (أولاد الحارة).

وأول ما قال لي: السلام، وقبل أن يكملها قلت له: لا أهلا ولا سهلا، ماذا تريد؟! هيا (أهرج)، أي سحابة مشؤومة قذفت بك لكي تخرّب مزاجي في هذا الصباح المشرق الجميل؟!

قال لي: إنني تشاكلت بالأمس مع مديري بالعمل.

أجبته: وما دخلي بك أنت ومديرك؟! إن شاء الله يأخذكم إبليس، أو تأخذكم (سكون الرمادة).

قال: أرجوك احلم عليّ.

أجبته وقد بدأ الصبر ينفد من جوانحي، لأنني لاحظت فعلا أن قدميّ بدأتا ترتفعان من على وجه الأرض مثلما تبدأ ترتفع قدميّ البجعة وهي على وشك الطيران.

كدت أقول له (طس) اغرب عن وجهي، غير أن ربي سبحانه ألهمني عندما تذكرت قول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: (لا تغضب)، عندها كبحت قليلا جماح نفسي وقلت له (بنرفزة) واضحة: هاه، هات ما عندك ولا تطول يا بغل.

قال: هل تصدق أنني طلبت من مديري أن يمنحني إجازة ليوم واحد، فسألني بتهكم: أنت تريد إجازة ليوم واحد؟! قلت له: بكل أدب نعم طال عمرك، فأخذ يضحك بوجهي قائلا: هل فكرت جيدا قبل أن تطلب هذه الإجازة؟! وقبل أن أجيبه على تساؤله قال لي وهو مقطب الحاجبين ويرفع إصبعه بوجهي:

ألا تعلم أن السنة فيها 365 يوما؟ وهذه تعادل 52 أسبوعا؟ وخلال هذه الأسابيع أنت تعطل يومين كل أسبوع؟ أي يبقى من السنة 261 يوما! ولا تنس أنك تقضي 16 ساعة من اليوم في البيت، وهذه تعادل 174 يوما، فيبقى للعمل87 يوما فقط.

ثم إنك تقضي نصف ساعة يوميا في الاستراحة لتشرب الشاي والقهوة وتقرأ الجرائد، وهذه تعادل 23 يوما في السنة، أي يبقى للعمل 64 يوما فقط.

وكذلك فإنك تأخذ ساعة يوميا للغداء وأداء الصلاة، وهذه تعادل 46 يوما، وبالتالي يبقى للعمل 18 يوما.

ومن عاداتك أن تأخذ إجازة مرضية لمدة يومين كل سنة، فيبقى للعمل 16 يوما.

وفي العيد الوطني نحن نعطل وهذا يخفض عدد أيام العمل إلى 15 يوما.

وشركتنا تعطيك إجازة سخية مدتها 14 يوما في السنة، فلا يبقى للعمل سوى يوم واحد!!!

ألا أكون غبيا إذا أعطيتك هذا اليوم إجازة؟! - انتهى كلام مديره.

فقلت لذلك الذي يريدني أن أتوسط ولكي أصرفه وأنفك من وجهه: ولا يهمك أعطني تليفون المدير وأنا سوف أتفاهم معه. أعطاني رقمه وهو يشكرني، والحمد لله أنه خرج سريعا، عندها تنفست الصعداء، ولو أن كان عندي (قلهّ) لكسرتها بعده.

واتصلت بالمدير قائلا له: إن (فلان) أتاني وحكى لي ما ذكرته له بشأن إجازته، وإنني فقط أردت أن أعبر لك عن إعجابي بمنطقك، والخير كل الخير هو ما قلته له، فهو فعلا لا يستحق الإجازة.

[email protected]