المراقبون يراقبون

TT

ذهاب «المراقبين العرب» إلى سوريا كان معروفا سلفا بأنه محاولة صغيرة في أزمة كبرى. لكن كان لا بد من ذهابهم، لعلهم يعثرون وسط الدماء والركام، على كوة دبلوماسية صغيرة، كانت في بداية الأمر بوابة سياسية كبرى، رفضها النظام وظل يغلق الأبواب واحدا بعد الآخر، ممانعا في رؤية حجم الكرة التي بدأت طابة في درعا وتطورت إلى حروب وحصارات وألوف الضحايا في أنحاء سوريا.

الطريق الأقصر والأوضح والأجدى، إلى الحل، لم يكن بتنظيم جولة للمراقبين، وهم يرتدون الصدريات الفسفورية مثل عمال الطرقات، بل كان في المبادرة نفسها، وفي الدخول إلى قاعة جدية تجمع سوريا والعرب، ومنها إلى قاعة جدية أخرى، تجمع السوريين حول فكرة إنقاذ البلاد، ووقف الدم الفوري، وإعادة الحياة إلى مدن وأرياف سوريا، المحاصر منها وغير المحاصر، لأنه لم تعد هناك بقعة خارج تأثير الصراع.

الحل السياسي العربي كان المخرج الأفضل للجميع. فلا يذهب أحد إلى التدويل، الذي يتجنبه العرب أكثر من النظام السوري مهما لوحوا به، ولا تضطر سوريا إلى القبول بمبادرات خصومها الجدد وحلفائها الأقرباء حتى الأمس، أي تركيا وقطر وفرنسا.

لكن مهمة «المراقبين» روضة أطفال في بحر من الدماء. فهؤلاء السادة ليسوا مفوضين في شيء سوى تدوين المشاهدات. وقد شاهد العالم ما يكفي ويفيض طوال عشرة أشهر. في حين تعني «المراقبة» أن المسألة بدأت للتو. وفي حال رفع المراقبون تقريرا يحمّل النظام المسؤولية، فهل سوف تقبله دمشق؟ وإذا عمد، كالعادة، إلى تقسيم المسؤولية، هل ستقبله المعارضة؟

قد يقال إن خطوة المراقبين كانت ضرورية لإحراج النظام وتبرير الانتقال إلى التدويل بعدما رفضت دمشق كل المحاولات السابقة، ولا تزال ترفض على اعتبار ما يجري حركة احتجاجية وطنية، وليس مجرد «عصابات مسلحة». ولكن أيضا غطت صداري المراقبين الفسفورية مئات الضحايا عبثا. لأن الحل في مثل هذه المآسي، كما خبرنا في لبنان، ليس في الإحالة على الآخرين. الحلول تدور دورتها في الخارج، لكن حلها الأخير في الداخل.

هناك كان يجب أن يبدأ لكن ذلك لم يحصل، فكان أن دفع النظام ثمنا باهظا ودفعت المعارضة أثمانا محزنة ومريعة. لكن الثمن الأكبر دفعته سوريا. وإلى وقت طويل.