تدويل الحالة السورية؟

TT

تدويل الحالة السورية.. هل هو أمر ممكن أم أنه التحليل بالتمني؟.. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تدويل الحالة السورية نتيجة لفظاعة الجرائم والتكلفة البشرية لمحاولة تغيير النظام هناك، ولم يسأل أحد ما هي إمكانية ذلك، قبل مضيعة الوقت في تحبير الصفحات. في اعتقادي أن تدويل الشأن السوري أمر صعب، ولو حدث فلن يحدث هذا العام، ولي في ذلك بعض الأسباب أسوقها ليس تمسكا بها ولكن بهدف أخذ النقاش في المنحى الواقعي وبعيدا عن المثالية في التحليل.

بداية، انسحاب القوات الأميركية من العراق له تأثير كبير على حوار التدويل في الغرب فيما يتعلق بالحالة السورية، وهذا الحوار يمكن قراءته من زاويتين أو من الممكن أن يأخذ أكثر من منحى في حوارات الغرف المغلقة عند صانعي القرار في الغرب المخول بالتدويل إذا حدث. يمكن للمرء تخيل هذا الحوار من طرفي نقيض، الرؤية الأولى أو الفرضية الأولى التي سينطلق منها الحوار على طاولة النقاش تقول بأن سحب القوات من العراق يعني أن هذه القوات لن تكون رهينة لدى سوريا وإيران حالة وقوع حرب وأن سحبها هو الحل الأمثل لتجنب أي خسائر بشرية في القوات الأميركية حتى لا يضعف التأييد الشعبي للتدخل الأجنبي في عام انتخابات رئاسية أميركية. أما الرؤية الثانية المناقضة لهذه فستنطلق من فرضية أن خروج القوات الأميركية من العراق يسبب فراغا إقليميا يصعب معه التعامل مع الحالة السورية بما لها من تبعات على الاستقرار في العراق وفي دول الخليج، وكذلك لما لها من تبعات على أمن إسرائيل.

والنقطة الأخيرة المتمثلة في تبعات ذلك على إسرائيل ستأخذ الجزء الأكبر من الحوار. أستطيع أن أتخيل أن أحد المحاورين سيستدعي قدرة أميركا على منع إسرائيل من التدخل في الحرب يوم تحرير الكويت مما جنب أميركا وحلفاءها العرب كثيرا من الحرج، فهل تستطيع واشنطن هذه المرة إقناع إسرائيل بعدم التدخل، خصوصا في ظل القرب الجغرافي الحرج بين إسرائيل وسوريا؟ هذا أول محور من محاور الحديث عن التدويل.

المحور الثاني يتعلق بعدم وجود غطاء عربي حتى هذه اللحظة لفكرة التدويل، وفي هذا يختلف الأمر في كل من سوريا واليمن عن الوضع في ليبيا مثلا، حيث جاء قرار الجامعة العربية واضحا، ومغذيا لما في الغرب من عداوة مسبقة لنظام القذافي. في الحالة السورية يبدو الأمر حتى هذه اللحظة ضبابيا بالنسبة للموقف العربي.

المحور الثالث الذي يدخل في حوارات التدويل في الغرب هو ما يسمى بالتعب أو الملل من التدخلات الخارجية، حيث إن الغرب ومنذ عام 2001 وبعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لم يتوقف عن التدخل وخسرت خزائنه الكثير، ولا يبدو أن الجمهور في الدول الرئيسية يفهم الشأن السوري بما فيه الكفاية أو متحمس له بما فيه الكفاية حتى يوافق على حرب ثانية بعد التدخل «الأطلسي» في ليبيا. شيطنة نظام القذافي وتحفيز الرأي العام ضده كان أمرا سهلا، لما للرجل من جرائم ضد الغرب من ديسكو برلين حتى حادثة لوكربي حتى دعم الإرهاب، كل ذلك جعل من القذافي الأقرب إلى شخصية بن لادن في المخيلة الغربية. وأيا كان رأينا في نظام الأسد وما اقترف من جرائم ضد شعبه إلا أن هذا ما زال محصورا في الإعلام العربي ولم يكتسب الزخم الكافي في الإعلام الغربي كي يدفع الرأي العام لقبول فكرة التدويل. أعرف أن هذا لا يروق للكثيرين ممن يتصورون أن التدويل ممكن، وغدا. ولكن الوقوف على الحقائق أهم من التحليل بالتمني، خصوصا عندما يكون الثمن تلك التكلفة البشرية التي نشهدها كل يوم.

سوريا ليست لديها فقط حدود مع إسرائيل ولكنها دولة مجاورة أو واقفة على خط التماس مع حلف الأطلسي الذي تعتبر تركيا جزءا أصيلا من ذلك الحلف. تدويل الأمر في سوريا يحتاج إلى تفكير عميق فيما يخص الحدود الجيوسياسية لحلف الأطلسي.

بعد أن يأخذ الحوار مساره في محاولة فهم تبعات التدويل على المستوى الإقليمي، وخصوصا فيما يخص نشوب حرب تكون إسرائيل طرفا فيها أو يكون أمنها مهددا بالخطر، تدخل العوامل الداخلية الخاصة بتركيبة المجتمع السوري المتمثلة في الموزاييك الطائفي والعرقي إذا جاز التعبير، رغم أن البعض في سوريا يرفضون فكرة التعددية العرقية في نظام تبنى العروبة كغطاء لتعدديته الداخلية.

الوضع السوري داخليا هو وضع هش كما قطعة من السيراميك يمكن أن تتكسر وتتناثر شظاياها بشكل مختلف تماما عما حدث في ليبيا. ولنكن أكثر صراحة: لو وصل الأمر إلى نهايته، كما حدث في ليبيا، هل سيسلم عصب النظام السوري زعيمه بالصورة التي سلمت بها سرت القذافي؟ ظني أن هذا الأمر غير ممكن، لأن للنظام في نهاية المطاف دعما داخليا، ولو على الأقل من طائفة واحدة تحيا معه وتموت معه، وبهذا لن تكون المعركة النهائية الفاصلة بتلك السهولة التي يتصورها البعض. لا أدعي أنني خبير بالتعقيدات الداخلية للوضع السوري، ولكنني أعرف كيف تدخل هذه العوامل مجتمعة في تفكير صانعي القرار في الدول التي بيدها أمر التدخل من عدمه.

ما زلنا بعيدين جدا عن مسألة تدويل الشأن السوري، إلا إذا حدث حدثٌ فظيع ذو مغزى إعلامي عالمي، وحتى هذه اللحظة لم نر هذا الحدث بتأثيره الواسع في إعلام دول التدخل.

ويبقى أمر أخير، هو أن مسألة تدويل الشأن السوري رغم أنها مطلوبة ومرغوبة عند البعض، فإن تدويل سوريا سيعني بالضرورة تدويل كل شيء في الشرق الأوسط بعد ذلك، أيا كانت القوى التي فازت في الانتخابات أو التي حصدت مكاسب الثورات. التدويل بعيد، والتدويل أيضا خطر كبير، ليس على سوريا، التي يتغير نظامها كل يوم، أو في طريقه إلى التغيير، ولكن الأهم تأثير التدويل على المنطقة في المدى البعيد.