التدخل الدولي قادم إلى سوريا.. ومفهوم جديد للأمن الإقليمي

TT

المشهد في سوريا يبدو معقدا ومتداخلا ونهايته ملتبسة أو غير واضحة للعيان، لكن الأمر في حقيقته قد يبدو مختلفا، والسيناريو الأقرب هو أن الحل سيكون عبر البوابة الأجنبية أي التدخل الدولي وباستخدام القوة العسكرية، بعد أن استنفدت كل الأوراق الإقليمية أغراضها بل أكدت فشلها بسبب المواقف المتباعدة في سوريا بين طرفي الصراع (النظام والشارع أو المعارضة) جراء مراهنة كل جانب على رهان يراه هو الطريق إلى انتصاره، فالنظام يراهن على يأس المتظاهرين وضعف تنظيمات المعارضة وانشقاقها، بجانب عدم القدرة على الصمود أمام الآلة الأمنية والعسكرية، وتأييد روسيا والصين، إضافة إلى اقتناعه بعدم وجود مساندة إقليمية أو دولية فاعلة للمعارضة كما يعتقد أن تقرير المراقبين العرب سيكون في صالحه، في حين تراهن المعارضة على زيادة رقعة المظاهرات وانتشارها في كل أرجاء سوريا خاصة عندما تمتد بشكل أوسع إلى دمشق وحلب، إضافة إلى المناطق التي تشهد حشودا من المتظاهرين حاليا وهي كثيرة، كما يمتد الرهان إلى توقع إنهاك الجيش وتفككه بزيادة الانشقاقات وخوف قادته من الإدانة بقتل الثوار وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ومن ثم التخلي عن نظام بشار الأسد ما يقود إلى انهياره وسقوطه. وهناك أمل متصاعد بتدويل الصراع السوري ودخول مجلس الأمن الدولي كعامل لحماية الثورة.

لكن كيف سيتطور سيناريو تدخل القوى الدولية أو تدويل الأزمة السورية؟ الإجابة تكمن في عدة نقاط، منها: عدم وجود خيار أمام النظام السوري إلا في استخدام الحل الأمني، فهو يعلم أن التخلي عن هذا الحل يعني انهياره سريعا، ولكنه متأكد أن هذا الحل هو مؤقت وترقيعي بمعنى أنه يؤجل النهاية ولن يلغيها، كما أن هناك أزمة ثقة بين النظام السوري ومحيطه الإقليمي باستثناء إيران، ثم العراق تحت التأثير الإيراني أيضا، مما يؤدي لعدم وجود حلفاء من العرب للنظام السوري بعد رفضه لكل النصائح العربية.

مراهنة النظام السوري على مواقف وتأييد روسيا والصين سوف تنتهي إلى الفشل أيضا ولن يستمر دور موسكو وبكين المتعاطف إلى ما لانهاية، وبدأت التحركات الغربية تجدي مع موسكو التي تريد أن تقبض الثمن، وهذا عُرفٌ مشروع في العلاقات الدولية بين القوى الكبرى أو ذات التأثير على مجريات الأحداث العالمية وسبق تطبيقه في أكثر من حالة كانت طرفها موسكو. فسوريا تعد آخر معقل للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط وواحدة من أكبر أسواق تجارة السلاح الروسي في المنطقة، ومن ثم لن تفرط موسكو في هذا المعقل أو تتخلى عنه إلا بثمن باهظ أو معقول على أقل تقدير، وهذا الثمن بدأ يلوح في الأفق ويتمثل في انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية وهو ما فشلت موسكو في تحقيقه طيلة 16 عاما من المفاوضات المضنية، كما أن هناك دعما ماليا ضخما من اليابان وكوريا الجنوبية لموسكو وهو ما يجري تحديد قيمته وتوقيت دفعه أو تسليمه الآن.

أما التدخل الإقليمي فلن يحقق شيئا في حل هذه الأزمة، فلا يوجد طرف يريد أو يستطيع أن يدخل في مواجهة عسكرية ويتورط في هذه الأزمة بعد أن باءت كل الجهود العربية بالفشل تقريبا باستثناء موقف جامعة الدول العربية الذي ينتظر تقرير المراقبين، والذي لن يجدي كثيرا على ما يبدو طبقا للتقارير الواردة من دمشق والتناقض الذي يلوح في الأفق حول مضمون التقرير المرتقب، كما أن تركيا لن تستطيع التورط بمفردها لاعتبارات عديدة وكل ما تستطيع القيام به هو عدم خسارة الشارع السوري بعد أن يئست من التعويل على النظام في دمشق، وفي الوقت نفسه عينها مفتوحة على مستقبل تعاطي أكراد سوريا مع الوضع السوري الداخلي ومع الأكراد في دول الجوار ومن بينهم أكراد تركيا بعد انفراط عقد الدولة السورية الحالية.

إذن لن يتبقى إلا الدور الدولي الذي بدأ يأخذ منحى جديدا في مجلس الأمن الدولي من خلال مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا ويجد دعما أميركيا وغربيا، مما يفتح الباب للتدخل الأجنبي تحت شعار التدخل العسكري الإنساني في المقام الأول كما حدث في ليبيا في العام الماضي وقبلها في العراق عام 1991 وكوسوفو عام 1999. وهذا التدخل سوف يسبقه تمهيد داخل أروقة مجلس الأمن الدولي وعبر الاتصالات السرية واجتماعات الغرف المغلقة وبتدخل أطراف متعددة منها الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، ودول الاتحاد الأوروبي، سوف يتمخض عنها وفاق دولي على حساب مقايضات مالية ومصالح استراتيجية، تقود في مجملها إلى رسم خريطة جديدة لمفهوم الأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط سوف يمتد تأثيرها إلى دول أخرى، وإلى فترات مستقبلية بعيدة أو متوسطة المدى على الأقل.

في مقدمة معالم مفهوم الأمن القومي في مرحلة ما بعد التدخل الدولي لإسقاط النظام السوري يأتي تحجيم الدور الإيراني ومحاصرته داخل إيران مستقبلا والذي يمتد إلى العراق في المرحلة الحالية بناء على واقع تركيبة النظام السياسي الحاكم في بغداد وعلاقته الخاصة بطهران لاعتبارات عديدة وهي معروفة على ألا يخرج هذا الدور أو التأثير إلى دول إقليمية أخرى كما كانت تخطط وتسعى طهران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، ثم بعد سقوط نظام صدام حسين في بغداد عام 2003.

بالتبعية سوف تشهد مرحلة ما بعد التدخل الدولي لإسقاط النظام السوري إضعاف حزب الله اللبناني، أو تضييق الخناق عليه ما قد يفككه على المدى البعيد أو على أقل تقدير تحجيمه والتسريع بتنفيذ مطالب الدولة اللبنانية بتسليم سلاح الحزب ودمج عناصره - في حالة قبولهم - في الجيش اللبناني.

مفهوم الأمن الإقليمي في المرحلة القادمة غامض وملتبس وتشوبه صراعات غير معلنة بين قوى تقليدية وأخرى جديدة بين الدول الموجودة في الإقليم، خاصة مع غياب العمل العربي المشترك، وانشغال أو انكفاء العديد من الدول العربية على أوضاعها الداخلية، أو خروجها جزئيا أو مؤقتا من منظومة الأمن الإقليمي والعمل المشترك، مما يلقي بمسؤولية كبيرة على كاهل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ويجعلها تسارع بوضع استراتيجية أمنية بما يؤمن الوضع في منطقة الخليج أولا وبشكل عاجل، ثم في المنطقة العربية باعتبار أن الأمن الخليجي لا يبدأ أو ينتهي عند حدود دول الخليج فقط، بل مرتبط بأمن المنطقة بالكامل.

الاستراتيجية الخليجية لأمن المنطقة لا بد أن تبدأ بتفعيل قوة درع الجزيرة، وإعادة النظر في تسليح الجيوش الخليجية، وتطوير الآليات والتجهيزات العسكرية، والتركيز على الأسلحة المتطورة، حيث إن المرحلة المقبلة قلقة وغامضة المعالم، ولاعبوها يزدادون ومصالحهم تتشابك في ظل أفول نجم قوى إقليمية مهمة، وتزايد قوة ونفوذ دول غير عربية موجودة في المنطقة وتمتلك أسلحة نووية أو أسلحة تقليدية متطورة، إضافة إلى عدم استقرار الأوضاع في آسيا الوسطى وأفريقيا ما يعني أن الدائرة الأمنية الأوسع والمحيطة بالدول العربية غير مستقرة أيضا، الأمر يتطلب اتخاذ مبادرة الدفاع باعتبارها أفضل وسيلة للهجوم.

التغيير السياسي في سوريا وسقوط نظام البعث الذي حكم البلاد لفترة تجاوزت أربعة عقود سيترك نتائج جذرية تؤدي إلى إعادة ترتيب توازنات القوى على المستوى الإقليمي. تغيير النظام في سوريا لا يعد شأنا داخليا فقط، فالدور الذي لعبه مثلث التحالف الإيراني - السوري - حزب الله، خلال العقود الزمنية الماضية في التأثير على سير التطورات الإقليمية كان دورا لا يمكن إغفاله. وغياب سوريا عن هذا التحالف سيؤثر سلبا وبشكل جذري على أطراف التحالف الأخرى.

* رئيس «مركز الخليج للأبحاث» في الإمارات