تي تي.. مثل ما رحتي جيتي

TT

قبل مدة قررت لأول مرة أن أكون (حمامة سلام)، وذلك عندما علمت أن خلافا مستحكما حصل بين زوج وزوجته وقد يصل إلى ما لا تحمد عقباه.

الزوجة أعرفها حق المعرفة، فهي على خلق وكرم وحسن معشر، والزوج أعرفه كذلك حق المعرفة ولا أكن له محبة كثيرة ولا احتراما قليلا، وذلك لما يتحلى به من نزق وصغارة عقل.

ومع ذلك، قررت أن أذهب إلى الرجل على أمل أن أحتوي (الأزمة) وأعيد المياه الآسنة إلى مجاريها، عل الله أن يكتب جهدي النبيل هذا في (ميزان حسناتي) المصدي والخاوي على عروشه، والذي لم تقع به ولا حسنة واحدة منذ ردح طويل من الزمن.

ذهبت للرجل الطافش من بيته والساكن في شقة مفروشة، دخلت عليه دون أن أستأذن، ولم يرحب بي كذلك هو كعادته، ولم أقرئه السلام أنا كذلك كعادتي.

أخذت في البداية أتلو عليه مما أحفظه من بعض آيات الذكر الحكيم التي تحث على تحكيم العقل، وأتبعتها ببعض الأحاديث الشريفة التي تدعو للتسامح والمحبة ولجم سخافات الغضب، وأخذت أذكره وأعدد له مزايا زوجته الطيبة التي تحملت طوال تلك الأعوام بذاءاته، وأنهيت كلامي معه بحادثة حقيقية سمعتها قائلا له:

إن هناك رجلا ترك زوجته وأولاده وذهب إلى ميدان المعركة من أجل الدفاع عن وطنه، وبعد انتهاء الحرب وأثناء طريق العودة أخبر الرجل بأن زوجته مرضت بالجدري في غيابه فتشوه وجهها كثيرا جراء ذلك.. تلقى الرجل الخبر بصمت وحزن عميقين، وبعد أن عاد استقبله معارفه وأقاربه وتفاجأوا أنه طوال الوقت كان يتحسس بيديه طريقه وهو مغمض العينين، فرثوا لحاله وعلموا حينها أنه لم يعد يبصر، فرافقوه إلى منزله. وأكمل هو بعد ذلك حياته مع زوجته وأولاده بشكل طبيعي.. وبعد ما يقارب الخمسة عشر عاما توفيت زوجته، وحينها تفاجأ كل من كان حوله بأنه عاد مبصرا بشكل طبيعي، وأدركوا أنه أغمض عينيه وتظاهر بالعمى طيلة تلك الفترة كي لا يجرح مشاعر زوجته عند رؤيته لها.

وبعد أن أكملت له تلك الرواية لكي يحس بروعة التضحية، متأملا أنها سوف تهز مشاعره، عندها سألته: ما رأيك في تصرف ذلك الرجل؟!.

وصدمني عندما قال لي: هذا والله من (سلاحته) - يقصد أن تصرفه ذلك دلالة على ضعفه وخيابته، وأتبع كلمته السامجة تلك بجملة أخرى أسمج منها عندما قال: إنني رجل، والرجل ما يعيبه شيء.

صمت مذهولا ولا أدري بماذا أعلق على كلامه الأهوج هذا الذي ليس له صلة بموضوعنا، غير أنه قطع علي حبل صمتي عندما قال: ليس هناك أتفه من الإنسان الذي يدخل نفسه في شيء لا يخصه، ثم إنني أريد أن أعلمك يا فالح أنك أتيت في (الوقت الضائع)، فلقد أرسلت بالأمس ورقة الطلاق (لأم فلان)، وبعد أسبوع سوف أتزوج من (بنت فلان)، ولن أوجه الدعوة لك.

وخرجت من عنده مثلما دخلت دون استئذان، ولا أدري إلى الآن هل محاولتي تلك قد كتبت في ميزان حسناتي؟!، أم أن المثل القائل: (تي تي، مثل ما رحتي جيتي) قد انطبق علي بحذافيره؟!

يا الله كم أنا مسكين.

[email protected]