أوباما يطوي صفحة حقبة 11 سبتمبر

TT

عندما تطلب من مسؤولي إدارة أوباما شرح أجندة سياستهم الخارجية لعام 2012، يشيرون أولا إلى ميزانية الدفاع.. فهذا هو الموضع الذي يرغبون في أن يحدثوا فيه «تحولا» في استراتيجية الولايات المتحدة – بعيدا عن الحروب في العراق وأفغانستان وفي اتجاه جعل الأولوية في القرن الحادي والعشرين للصين ومنطقة المحيط الهادي.

وللتركيز على أهمية عملية إعادة التوازن، توجه الرئيس أوباما إلى البنتاغون، يوم الخميس، للإعلان عن الميزانية. وبدأ بإعلان الانتصار في ما اعتاد أن يشير إليه باسم «الحرب طويلة الأمد»، مدليا بمجموعة عبارات وداعية: الولايات المتحدة «تطوي صفحة عقد من الحرب»، «لقد نجحنا في الدفاع عن أمتنا»، «مد الحرب ينحسر».

يعتبر الحديث حول الاستراتيجيات الجديدة أجندة معيارية، خاصة في عام انتخابات. غير أن هذه الادعاءات يجب أن تؤخذ على محمل الجد. سوف تحدث تخفيضات ميزانية البنتاغون اختلافا، على المستويين المحلي والعالمي. إنها تسجل تحولا حقيقيا، أحد أبرز التحولات منذ عام 1945.

ما الذي سيتغير؟ أولا: تقلل الإدارة عدد قواتها البرية بشكل حاد؛ نظرا لأنها لا تتوقع أي عراق جديد أو أفغانستان جديدة. من الواضح أنه من السابق للأوان أن نعلن الانتصار في أفغانستان في الوقت الذي لم تنتهِ فيه الحرب بعدُ. غير أن البيت الأبيض يعتقد أنه يمكن أن يلعب اللعبة النهائية بجدارة، حتى إذا استمرت أميركا في سحب قواتها بشكل كامل.

كان من السهل عدم إدراك تأثير كلمات أوباما: كان يعلن أن الحقبة التي بدأت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قد انتهت. لقد قتل زعيم تنظيم القاعدة، ومعظم أعضاء التنظيم مطاردون، وتجرى محادثات سلام سرية مع حركة طالبان. وعبر أرجاء العالم العربي، تجري الولايات المتحدة محادثات مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية التي كانت، منذ بضعة أعوام مضت على قوائم الرعب. إنها عملية مماثلة للطريقة التي أنهت بها بريطانيا حربها الطويلة مع الإرهابيين الآيرلنديين، عن طريق المشاركة في مفاوضات مع الجناح «السياسي» للجيش الجمهوري الآيرلندي.

ما الأمر الآخر الذي سيعنيه التحول؟ إن التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادي يعني، على نحو لا مفر منه، أنه سوف يأتي عدد محدود من الموارد اللازمة للشراكة التقليدية مع منطقة المحيط الأطلسي، التي مثلتها القوات الأميركية بحلف الناتو، من أوروبا، ربما بأعداد أكبر من المتوقع. وبسبب أزماتها الاقتصادية الأخيرة، ربما تشعر أوروبا بالتجاهل. ترى هل سيستجيب الألمان بالاقتراب بدرجة أكبر من روسيا؟ راقب تلك الناحية.

إن تحول أوباما يحول الثقل الأميركي تجاه الصين، وبكين في حالة غضب غير مفهومة. إن المسؤولين الأميركيين مستمرون في تكرار أن هذا لن يعني سياسة «احتواء» وأن الولايات المتحدة تقبل صعود الصين كحقيقة حتمية في القرن الحادي والعشرين. زار مبعوث أوباما بكين، الأسبوع الماضي، لتوصيل رسالة إعادة الطمأنة هذه. غير أن الصينيين ليسوا أغبياء؛ فهم يعلمون أن أميركا تحول قواتها تجاههم.

ثمة فترة من المنافسة والتوتر تتقدم في منطقة المحيط الهادي. ويتمثل اختبار مبكر في معرفة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة المضي قدما في المحاولة الأخيرة التي بدأتها من أجل بدء عهد جديد من العلاقات مع بورما. وسيتمثل اختبار آخر في التحول الحساس في القيادة في كوريا الشمالية، التي يجب أن تكون منطقة للتعاون الصيني - الأميركي، لكنها يمكن أن تتحول إلى النقيض. وسيشمل جانب ثالث العلاقات التجارية: أوباما يضغط من أجل تفعيل «الشراكة عبر المحيط الهادي»، التي ستنتج اتفاقيات على شاكلة اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية عبر المحيط الهادي. لكن كيف يكون ذلك مطمحا واقعيا بالنسبة لأميركا التي تعاني بالفعل أزمات تجارية؟

مع تغيير الولايات المتحدة أولوياتها الدفاعية، تتمثل البطاقتان الحاسمتان في باكستان وإيران، الدولتين اللتين يحركهما مخزون لا ينضب من معاداة أميركا. وتبدو باكستان، بعد سنوات من التبرم من الهيمنة الأميركية، جادة بشأن إعادة تقييم علاقاتها، من خلال قيام جنرال رفيع المستوى بزيارة رمزية الأسبوع الماضي إلى القوة العظمى الأخرى، الصين، تحمل رسالة «نحن لا نحتاجك».

في هذه المرة، لم تكن الولايات المتحدة تتعقب الباكستانيين في محاولة لتوبيخهم والمضي قدما مرة أخرى في طريق العودة إلى الوضع السابق. هذا أمر جيد، لكن واشنطن ما زالت بحاجة إلى علاقة تعاونية مع إسلام آباد، خاصة في ما يتعلق بتسوية النزاع الأفغانستاني.

أما بالنسبة للإيرانيين، فإنهم يبدون للمرة الأولى منذ سنوات في حالة غضب حقيقية، لا بسبب استعراض الولايات المتحدة أو إسرائيل لقوتهما العسكرية والتهديد باستخدامها ضد إيران، وإنما لأن العقوبات الاقتصادية تشكل ضغطا على عملتهم. كذلك، فإنه من المقرر فرض مزيد من العقوبات على إيران هذا العام. في مرحلة ما، سيكون النظام الإيراني مهددا بالفعل، وسوف يرد الضربة بمثلها. ذلك هو السيناريو الذي يجب أن يناقشه البيت الأبيض بدقة مع حلفائه. ففي حالة استمرار النهج الحالي، يصبح التحالف مع إيران أمرا متوقعا.

سوف نشهد تفاصيل تخفيضات ميزانية البنتاغون خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسوف يبدأ الكونغرس في إظهار تذمره الشديد (ناهيك عن أوروبا والصين). لا تعتقد أن هذا تكرار لحماقات الميزانية المعتادة. لقد سجل بيان أوباما أمام البنتاغون يوم الخميس تغييرا حقيقيا، ستكون له تبعات استراتيجية كبيرة.

* خدمة «واشنطن بوست»