العربة أمام الحصان: مسودة قانون الانتخابات الليبي

TT

أصدرت لجنة تابعة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي مسودة قانون الانتخابات وأقول إنها بداية معقولة لكن الأصل أن يكون هناك قانون ينظم الأحزاب أو سمه «قانون الأحزاب» قبل «قانون الانتخاب». فعدم شرعنة الأحزاب في هذه المرحلة وقطع الطريق السياسي على مشاركتها أمر يعتبر خللا كبيرا في تصور الأولويات. ولا أدري السبب في هذا الخلل. هل هناك ضعف في الوعي من قبل المجلس أو توجه يعمل على تحييد دور الأحزاب في هذه المرحلة.

تغييب الأحزاب ولو كانت في بداياتها الجنينية، يعني فتح الطريق للمؤسسات التقليدية في المجلس لملء الفراغ وعبر دور محوري بطريقة أو أخرى خاصة وأن أغلب الأحزاب التي أعلنت عن نفسها لا تملك وجودا واسعا في مناطق البلاد المختلفة. وهنا قد يبرز دور القبائل والعشائر والتجمعات الاجتماعية والإثنية مما يؤثر على نتائج الانتخابات. المؤسسات الأخرى التي يمكن أن تلعب دورا هي مؤسسات المجتمع المدني ولكن هي أيضا جنينية وقدراتها وخبراتها محدودة.

الطريقة التي صيغ بها القانون تعطي للمحلية الدور الأكبر والمؤثر في نجاح المرشح وهو معيار يمكن أن يكون مفيدا للانتخابات التمثيلية العادية حيث التمثيل المحلى أكثر أهمية من قدرات وإمكانات المرشحين العامين. ولكن في اعتقادي أن المؤتمر الوطني بقدر ما يجب أن يمثّل المحليات من المفيد جدا أن يكون أعضاؤه من أصحاب الخبرة والحنكة السياسية والقدرات على المساهمة في تعبيد الطريق نحو الدمقرطة.

ولهذا أقول إن تغييب الأحزاب والقوائم الحزبية هو من أهم نقاط الضعف في القانون.

الإشكالية الثانية في القانون هي استبعاد الليبيين من أصحاب الجنسية المزدوجة. أنا مع فكرة إلزام من يتولى مناصب حكومية عالية أو حتى مناصب تشريعية بأن يتخلوا عن الجنسية غير الليبية في مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية التي يعتبر المؤتمر الوطني جزءا منها. أعتقد أن مسودة القانون الانتخابي أخطأت في إقصاء أصحاب الجنسية المزدوجة من المشاركة في عضوية المؤتمر الوطني. فهذا المؤتمر هو انتقالي محدد وله مهمات محددة ينتهي بعدها. والطاقات الليبية في الخارج يمكن تقدم الكثير من الخبرات والمشاركات الهامة في هذا المؤتمر خاصة فيما يخص الدستور وشكل الحكومة والأسس الديمقراطية. فتجاربهم العالمية وأدوارهم في الدول الديمقراطية التي عاشوا فيها تؤهلهم لجلب خبرات تفهم الواقع الليبي واحتياجاته والثقافة الليبية والعربية والإسلامية، وفي نفس الوقت يفهمون الأسس الديمقراطية إلى حد كبير. والاستفادة من طاقات وخبرات هؤلاء مهمة جدا وهي أفضل من الانتهاء إلى الاستعانة بخبراء أجانب من الأمم المتحدة والدول الأخرى.

المشكلة أن القانون لم يستثن هؤلاء فقط بل طالبهم بالاستغناء عن الجنسية كشرط للترشح وليس للدخول للمؤتمر والعضوية فيه. كان عليه على الأقل وفي أسوأ الحالات الإشارة التخلي عن الجنسية الأخرى عند الفوز مثل القول «يطلب ممن لديه جنسية أخرى التنازل عنها في حالة فوزه بالانتخابات وقبل أداء اليمين لعضوية المؤتمر» هذا أضعف الإيمان.

أما الإشكالية الثالثة في القانون فهي تحديد نسبة الكوتا للمرأة بـ10% فقط في مؤتمر عدد أعضائه 200 عضو. وهذا أمر مجحف وغير مناسب على الإطلاق. ففي اليمن تقرر أن تكون نسبة الكوتا للمرأة 15% وهو مجتمع يغلب عليه الطابع القبلي والريفية وفي العراق اعتمدت نسبة 25% وهي النسبة التي أميل إليها.

أعتقد أن متوسط النسبة في العالم لكوتا المرأة حسب عدد من الإحصائيات لا تقل عن 20%. ولهذا أقترح أن تعدل النسبة إلى 20% أي 40 عضوا من النساء من مجموع 200 وهى ليس أمرا صعبا خاصة في بلد تصل نسبة عدد الإناث فيه إلى 50% على الأقل وتصل نسبة الحضرية بين سكانه 78% وتصل نسبة التعليم فيه بين النساء 72% وبين الرجال 92%.

الخلاصة، أنه من الأفضل للمجلس أن يصدر قانون الأحزاب أولا ثم يتلو ذلك قانون الانتخابات فوضع العربة أمام الحصان لن يؤدي إلى تحرك العربة إلى الأمام ولا لوصولها لمبتغاها.

أعتقد أن فكرة الجمع بين نظام القوائم الحزبية والمرشحين الفرادى هي الأفضل.

* كاتب ليبي