«مقتضى الحال في فهم الجنرال»

TT

إن الدبلوماسي إذا قال «نعم» فهو يعني «نعم».

وإذا قال «محتمل» فهو - في حقيقة الأمر - يعني «لا».

وإذا قال «لا» فهو ليس دبلوماسيا!

أما الفتاة إذا قالت لك «لا» فهي - في حقيقة الأمر - تعني «نعم».

وإذا قالت لك «نعم» فهي تعني «نعم» وإذا قالت لك «محتمل» فهي فتاة ليل!

وتستمر الحكمة الروسية فتقول:

أما الجنرال إذا قال «لا» فهو يعني «لا».

وإذا قال «نعم» فهو يعني «نعم»، وإذا قال لك «محتمل» فهو ليس جنرالا!

معنى الحكمة الذي أتوقف عنده هو ضرورة فهم قاموس ثقافة العقلية العسكرية. هذه الثقافة تأتي من التنشئة القائمة على الانضباط الصارم، والطاعة القصوى للرتبة الأعلى، والضرورة الحتمية للالتزام بالخطة والهدف والتوقيت.

هذا الأمر ينطبق على المؤسسة العسكرية من أوكلاهوما إلى اليمن، ومن تولوز إلى ساندهيرست، ومن الأردن إلى جاكرتا، تلك هي القواعد المنظمة للشخصية والعقلية العسكرية.

لذلك كله، تواجه هذه المؤسسة متاعب جمة وهي تضطر إلى التعامل مع المؤسسة المدنية، بالذات في دول العالم الثالث المضطربة المنهارة داخليا، التي تعتمد على نظم هشة متآكلة تم تجريفها على مر العقود بواسطة الحكم الاستبدادي، وهذا الشرح ليس دفاعا عن تلك المؤسسة بقدر محاولة لفهم العناصر الحاكمة لسلوكها وقراراتها.

هنا تجد المؤسسة العسكرية نفسها مثل الذي يتحدث العربية مع قوم لا يفهمون إلا الصينية ذات لهجة «الماندرين»!

هنا تصبح عملية التواصل بين ثقافة وأخرى، بين عقلية وأخرى، بين نظام عمل وآخر، عملية شبه مستحيلة.

ولعل ما تعانيه المؤسسة العسكرية الآن في الكثير من دول الربيع العربي هو أنها تدفع الفاتورة المؤجلة لحالة الانفصام بين مجتمع «المدنية» ومجتمع «الثكنة».

في الدول المتقدمة ديمقراطيا، تقل بشدة هذه المشكلة؛ لأن التقدم في الحياة المدنية وتحديد دور المؤسسة العسكرية بشكل واضح دستوريا ومجتمعيا يجعلان الجميع يتحدثون لغة واحدة عند التفاهم على إدارة شؤون البلاد والعباد. لذلك أعود وأذكركم بقراءة مقدمة هذا المقال كلما تعاملنا مع أي جنرال، خاصة حينما يقول لنا «نعم» أو «لا»، أو «هذا أمر محتمل»!

تذكروا: «نعم» و«لا» «وربما»!