يا «إخوان».. نريد العربي مثل الإنجليزي!

TT

«كلام جميل، كلام معقول.. ما اقدرش أقول حاجة عنه»، المقطع الذي تغنيه ليلى مراد في أوبريت تصميم أنور وجدي وتلحين محمد عبد الوهاب في أحد الأفلام المصرية القديمة، ينطبق تماما على المقابلة التي نشرتها «نيويورك تايمز» أمس للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، التي أصبح واضحا أنها ستكون أكبر كتلة في برلمان مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

المقابلة ممتعة وتعطي صورة مختلفة عن الصورة النمطية المأخوذة عن «الإخوان»، فالعريان يتحدث كرجل دولة في هذه المقابلة، ويؤكد أن «الإخوان» سيحترمون اتفاق كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، «فهذا التزام دولة وليس التزام حزب وعلينا أن نحترمه». وهو يأمل في أن تستمر الولايات المتحدة في تقديم مساعداتها إلى مصر بشرط عدم ممارسة ضغوط سياسة، مذكرا زائريه الأميركيين بأنهم ليسوا الوحيدين الذين يقصدون «الإخوان»، ولكن الصينيون والروس أيضا. وفي المقابلة قال أيضا تحليلا يستحق التفكير لمفاجأة الأداء القوي للسلفيين الذين اعترف بأنهم أصبحوا قوة سياسية، فـ«الإخوان» يتوجهون للطبقة الوسطى، والسلفيون توجهوا للطبقات الفقيرة. وهو يأمل أن ينجذب السلفيون لهم لا أن ينزلق «الإخوان» إلى التشدد، وإذا نجحت الحكومة المقبلة في معالجة مشكلة الفقر فسيتآكل تأثير السلفيين.

الأهم في إجاباته هو الرد على السؤال الغربي المحرج دائما عن فرض قيود على الحريات أو الممارسات الشخصية، أو ما يطالب به السلفيون من حظر المايوه على الشواطئ وحظر الكحوليات، فقد رد على سائله بسؤال: هل ترى أن هذا مهم الآن؟ نحن مهتمون بالقضايا الأكبر مثل الدستور الجديد.

ردود سياسية وكلام مطمئن ويحمل بشكل خاص رسالة إلى الخارج، خاصة واشنطن، بأننا لن نقلب الطاولة أو نتخذ قرارات متشنجة تضر بالمصالح المصرية، إذن أين المشكلة مع «الإخوان»؟

المشكلة هي في تضارب التصريحات الصادرة من قيادات «الإخوان»، بما يجعل ردود الفعل حسب نوعية التصريح أو شخصية صاحبه، والخوف من ازدواجية الخطاب، وأن يكون الكلام بالإنجليزي الموجه إلى العالم الغربي أساسا غير العربي الموجه إلى المتلقي المحلي.

مثال على ذلك التصريح الأخير الذي أدلى به مرشد «الإخوان» المصريين، محمد بديع، وأثار جدلا لم يتوقف حتى الآن عن أن الثورات العربية قربت هدف «الإخوان» الذي وضعه مؤسسها حسن البنا، وهو الوصول إلى الخلافة الرشيدة ثم الأستاذية في العالم. وهو ما أعاد إلى الأذهان على الفور التصريحات الساخنة التي كان أدلى بها المرشد السابق، وأحدثت وقتها جدلا من أنه لا يهمه إذا ما حكم مصر شخص من ماليزيا مثلا.

وانبرى فريق من سياسيي «الإخوان» بعد تصريحات المرشد الحالي عن الخلافة لتهدئة المخاوف وتفسيرها بأنها لا تعني العودة إلى الخلافة السابقة بما تعنيه من طمس الشخصية الوطنية والسيادة، وإنما شيء مثل الاتحاد الأوروبي بين الدول الإسلامية، وهو شيء أيضا يحتاج إلى تفسير، لأن الجغرافيا هي التي تجمع الاتحاد الأوروبي، بينما الجغرافيا لا تجمع مثلا إندونيسيا أو باكستان مع مصر. وهذا ينطبق أيضا على تصريحات العريان وتصريحات المرشد، فالمسافة بينهما - إذا حللنا المضمون - مثل المسافة بين مصر وإندونيسيا. العريان يمثل الحزب أو الذراع السياسية التي سيتعين عليها التعامل مع حقائق السياسة والجغرافيا الحقيقية للمجتمع والعالم، والمرشد يمثل الفكر وربما الجيل القديم المتأثر بالآيديولوجيات، والمؤمل أن يكون الفكر الذي يمثله العريان داخل «الإخوان» هو صاحب الثقل في العملية السياسية المصرية إذا أريد للمجتمع أن يتقدم وللتجربة أن تنجح.