كيف نكسر الجمود في عملية السلام في الشرق الأوسط؟

TT

قال لي دان ميريدور، أحد نواب رئيس الوزراء الأربعة، قبل سنوات: «إن عملية السلام أشبه بركوب الدراجة، ما إن تتوقف عن استخدام البدالات تسقط عنها»، وقد توقف الإسرائيليون والفلسطينيون في الوقت الراهن عن استخدام البدالات.

فيبدو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مقتنعا بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على إبرام اتفاق سلام، أو على الأقل اتفاق يمكنه التعايش معه، ومن ثم وضعا شروطا للمفاوضات. ومن ناحيته يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الشروط صعبة وغير مسبوقة، ومن ثم لا يرغب في دفع ثمن سياسي باهظ نظير المشاركة في المفاوضات.

على الجانب الآخر تود إدارة أوباما وباقي أعضاء اللجنة الرباعية - مجموعة وساطة الشرق الأوسط التي تضم أيضا مبعوثين من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة - استئناف المحادثات المباشرة، وقد عقد الأسبوع الماضي اجتماع تحضيري مع مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين في عمان بالأردن، وربما يكون هناك المزيد من مثل هذه الاجتماعات، وهذا أمر جيد، لأنه في النهاية لن يكون هناك سلام من دون مفاوضات.

ولكن ينبغي أيضا ألا تكون هناك أي أوهام حول فرص حدوث تقدم في أي وقت قريب، فالفجوات النفسية بين الطرفين تجعل من الصعب حل خلافاتهم، وقد أفسدت كل التحضيرات التي أجريت لمحادثات السلام خلال السنوات القليلة الماضية.

وقد شاركت عن كثب في جهود صنع السلام على مدى السنوات الـ20 الماضية في إدارات جورج بوش وبيل كلينتون وأوباما. وأنا أعرف أن عباس ونتنياهو يحملان ثقل تاريخ وأساطير شعبيهما، ويواجهان ضغوطا سياسية هائلة، لكن هذه الصعوبات لا يمكن أن تكون سببا لليأس والاعتقاد بأن الطريق مسدود، لا سيما عندما يستغل أولئك الذين يرفضون السلام أي مأزق للطعن في فكرة التوصل إلى حل الدولتين.

وعلى الرغم من أنه قد لا تكون هناك انفراجة مبكرة بشأن إجراء مفاوضات، فإن هناك إمكانية للتغلب على الجمود. أحد السبل لتحقيق ذلك - وللتأكيد على شرعية القيادات الفلسطينية، مثل محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، الذين يؤمنون بالوسائل السلمية والتعايش - هو أن يقوم الإسرائيليون بتغيير الحقائق على أرض الواقع، فإن هذه القيادات الفلسطينية بحاجة لأن تظهر في النهاية أن نهجها ينتج عملية من شأنها إنهاء الاحتلال، في الوقت المناسب.

ما الذي يمكن أن تثبت للفلسطينيين أن الاحتلال في انحسار؟ ليس من الصعب الحصول على أمثلة على ذلك، فمنذ أن وضعت اللمسات الأخيرة على الاتفاق المؤقت لعملية أوسلو عام 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق غير متجاورة معروفة باسم A وB وC ، مع سيطرة مفترضة للفلسطينيين في منطقة A واحتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الكاملة في المنطقتين الأخريين. ومنذ خريف عام 1995 وحتى ربيع عام 2002، ظلت قوات الدفاع الإسرائيلية إلى حد كبير خارج المنطقة A التي تشكل نحو 18 % من الأراضي، وتشمل جميع المدن الرئيسية في الضفة الغربية. وبموجب اتفاقات أوسلو، يتحمل الفلسطينيون المسؤولية المدنية والأمنية في هذه المنطقة.

ولكن في ذروة الانتفاضة الثانية، والتفجيرات الانتحارية المروعة التي نفذها فلسطينيون في إسرائيل عام 2002، بدأ الجيش الإسرائيلي في العمل في المنطقة A مرة أخرى في محاولة لوقف الهجمات. وعلى الرغم من انتهاء الانتفاضة عام 2005، وفاعلية قوات الأمن الفلسطينية بشكل عام في منع الهجمات الإرهابية، كان الجيش الإسرائيلي لا يزال يقوم بعمليات توغل دورية داخل المدن الفلسطينية لتعزيز الجهود الأمنية المحلية. هذا الأمر يضايق الفلسطينيين، مذكرا إياهم بمن يملك السيطرة على الوضع.

ومن ثم فإن أحد الخطوات ذات المغزى ستكون إما وقف جميع عمليات التوغل هذه في المنطقة A، أو إذا كانت لا تزال هناك مخاوف أمنية فينبغي الانسحاب بشكل تدريجي حسب الوضع الأمني. ودائما ما كان غابي أشكنازي، رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي، يقول: «إذا ما بذل الفلسطينيون قدرا أكبر من الجهد في مجال الأمن، فسيتراجع دورنا بشكل أكبر في المنطقة A». سيكون التوقف التدريجي لعمليات التوغل في المنطقة A بالتأكيد متفقا مع هذه القاعدة البديهية.

وفي المنطقة B، هناك نحو 22 % من الضفة الغربية، وتقوم الشرطة الفلسطينية فيها بفرض القانون والنظام، ولكنها غير مسموح لها بالتعامل مع التهديدات الإرهابية، وقد تسمح إسرائيل بزيادة أعدادهم. ومن خلال مناقشاتي مع وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، أدركت أنه لا يمانع في زيادة أعداد مراكز الشرطة الفلسطينية وتوسيع المناطق التي يعمل فيها موظفو الأمن الفلسطينيون. وربما يكون الوقت الراهن هو الأنسب لاتخاذ هذه الخطوات، لأن أي توسع من هذا القبيل سيكون ملحوظا من دون شك، وموضع ترحيب من جانب الشعب الفلسطيني.

وأخيرا، لا يستطيع أفراد الشرطة والأمن الفلسطينيون الدخول إلى المنطقة C التي تشكل 60 % من الضفة الغربية، وأنشطتهم الاقتصادية محدودة إلى حد بعيد، وتحتفظ إسرائيل بالسيطرة على المسؤوليات الأمنية والمدنية في المنطقة. ولا يوجد سبب عملي يحول دون السماح للفلسطينيين بمزيد من النشاط الاقتصادي والوصول إلى هذه المنطقة.

وسأعرض مثالا على ذلك، يتمثل في مصانع الطوب الحجري الفلسطيني في المنطقة A، لكن الفلسطينيين لا يستطيعون الوصول بحرية إلى المحاجر الصخرية في الضفة الغربية، التي تقع في المنطقة C. وقد أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكمها أواخر الشهر الماضي في القضية المرفوعة ضد الملكية الإسرائيلية للمحاجر الصخرية، بأنه لا يجوز للإسرائيليين ملكية أي محاجر إضافية. وقد خلق هذا الحكم فرصة لملكية فلسطينية خاصة، إذا ما كان سيتم إنشاء أي محاجر جديدة - ومن الواضح أن هناك متسعا للمزيد.

وتوسيع الفرص الاقتصادية للفلسطينيين في المنطقة C يمكن أن يحقق المعجزات في إطار خلق فرص العمل والاقتصاد الكلي الفلسطيني (انخفضت نسبة البطالة في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة لكنها لا تزال قريبة من 16 في المائة).

هذه الخطوات يجب أن تكون قابلة للتنفيذ من وجهة النظر الإسرائيلية. أولا، يمكن تنفيذ هذه الخطوات أو تغييرات مشابهة لذلك دون تغيير الوضع السياسي للمنطقة، ويمكن أن يتم بطريقة لا تعرض الأمن الإسرائيلي للخطر، وخاصة إذا ما تم تنسيقها بشكل وثيق مع الجيش الإسرائيلي.

وقد صرح نتنياهو مرارا بأنه لا يريد أن يحكم الفلسطينيين، وأنه كلما قويت قاعدتهم الاقتصادية، تحسنت احتمالات السلام. ومن شأن هذه الخطوات أن تظهر من دون شك أن رئيس الوزراء يعني ما يقول. وهي في الوقت نفسه إشارة إلى الفلسطينيين بأن الاستقلال ممكن وبأن نهج كل من عباس وفياض - لا نهج مقاومة حماس أو العنف - يمكن أن يؤتي ثماره.

أنا لا أقترح التخلي عن المفاوضات والتركيز على حل الدولتين، فالمحادثات بحاجة إلى رعاية، وإدارة أوباما تقوم بذلك بالشكل الصائب، فلا تزال الإدارة تقدم يد العون في بناء المؤسسات من خلال توفير دعم مادي للقطاعات الأمنية والقضائية وغيرها من القطاعات في المجتمع الفلسطيني، الخطوات التي تتفق تماما مع هذا النوع من الإجراءات التي أقترحها لتأكيد شرعية قادة مثل فياض. في هذه المرحلة فإن مصداقية نهج اللاعنف ستتحقق عبر عدد أقل من الكلمات والمزيد من إظهار أن الاحتلال آخذ في الانحسار وأنه سينتهي، في نهاية المطاف.

ويعيش بقية منطقة الشرق الأوسط حالة من الاضطراب، من ديكتاتوريين أطيح بهم إلى متظاهرين لا يزالون في الشوارع في عام من الصحوة العربية. ونظرا لتحول المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة إلى رمز للمصداقية في الانتفاضات، فمن المتوقع أن يؤدي الضغط على كل من فتح وحماس لإجراء انتخابات هذا العام إلى أمر لا يقبل الرفض. وخلال السنوات القليلة الماضية أشار عباس إلى أنه لن يكون مرشحا في انتخابات جديدة، ولكنه الآن يقول إنه يود إجراء تلك الانتخابات في مايو (أيار) ويخطط لمغادرة الساحة السياسية بعد ذلك. وحتى لو لم يكن من السهل التوصل إلى اتفاق مع حماس حول شروط الانتخابات، فسوف يشعر عباس بضرورة إجرائها في وقت ما من عام 2012.

هذه الانتخابات ستشكل على الأرجح هوية الفلسطينيين وما إذا كانوا يقبلون اللاعنف والتعايش السلمي مع الإسرائيليين والتوصل إلى حل الدولتين. وإذا كانت هناك مؤشرات واضحة على أن الاحتلال آخذ في التراجع ستصبح مواقف الفلسطينيين مثل عباس وفياض وأنصارهما الذين يؤمنون باللاعنف شرعية قبل الانتخابات. وهذا أمر ضروري لأن البديل هو حركة حماس التي ترفض نبذ العنف والسلام مع إسرائيل.

وخلال الصفقة الأخيرة مع الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح الجندي المخطوف جلعاد شاليط، الذي أمن الإفراج عن أكثر من 1000 سجين، نظر البعض إلى حماس على أنها قادرة على الحصول على مكاسب سياسية من خلال أعمال العنف. وبالمقارنة، لا ينظر إلى عباس وفياض على أنهما يحققان إنجازات بشأن القضايا التي تهم الجمهور الفلسطيني، مثل إطلاق سراح السجناء، والانسحاب الإسرائيلي أو الحد من السيطرة الإسرائيلية.

ستقلص هذه الشرعية بالنسبة للفلسطينيين، على الأقل، الفجوة النفسية بينهم وبين الإسرائيليين، وتلهم الأمل في أن تنقلنا المفاوضات فعليا إلى مكان ما. وبالتالي، ربما يكون من الأهمية بمكان عرض أفضل السبل لتحرير المسار التفاوضي. والأهم من ذلك، مع التغييرات التي تجتاح المنطقة ومرحلة انتقالية سياسية تلوح في الأفق بالنسبة للفلسطينيين، فإن مثل هذه الفاعلية ستكون السبيل الوحيد للحفاظ على التأييد بين الجماهير الفلسطينية والعربية من أجل حل الدولتين.

* مستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وشغل منصب مساعد خاص للرئيس أوباما ومديرا بارزا في مجلس الأمن القومي في الفترة من يوليو (تموز) 2009 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2011