الصين والحرب الناعمة!

TT

إذا كان الاسم المعروف عن مواجهات الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الغربي التابع لها ضد الاتحاد السوفياتي ومن كان يدور في فلكه هو الحرب الباردة، فاليوم هناك حرب من نوع جديد ومختلف بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، بأساليب وأدوات مختلفة تماما، مما يجعل اسم الحرب الناعمة اسما لائقا ومناسبا جدا لها. أهم أدوات هذا الصراع الناعم هما: المال والثقافة.

الصين تأكل من قوة أميركا الاقتصادية بالتدريج، وتكبر وتنمو كقاعدة صناعية للعالم معتمدة على رخص الأيدي العاملة فيها وكذلك لتوافر المواد الأولية وبأسعار منافسة، مما مكن الصين من أن يكون لها حضور في صناعات متنوعة ومختلفة من الطائرة والسيارة إلى الملابس والمفروشات وما بينهما، وهي، في مسعى متواصل لتطوير وتحسين سمعتها في ذلك الأمر، تبني قاعدة وسيطة للجودة وليس فقط أن يكون ذلك لأجل السعر والتكلفة المتدنية.

لكن مشاهدي التلفزيون في الصين فوجئوا بإلغاء 88 برنامجا تلفزيونيا مختلفا ما بين إنتاج درامي وكوميدي ومسابقات ترفيهية ومسابقات مواهب. وتبين أن أوامر الإلغاء جاءت من «أعلى المستويات في القيادة الصينية»؛ فالرئيس الصيني نفسه، هو جينتاو، كتب في مقال له في مجلة الحزب الرسمية وقال: «إن هناك قوى دولية تخطط وتتآمر لتغريب الصين وتفتيتها وتقسيمها». وطلب الرئيس، في المقال نفسه، أن تكون هناك «منتجات وطنية نابعة من الداخل الصيني لتشجيع الشباب الصيني»، وعبر الرئيس الصيني عن قلقه بالنسبة لمكانة الصين في العالم بين قدرتها الاقتصادية المتعاظمة وضعف أثرها الفكري والثقافي على العالم. هو يدرك أن الاقتصاد الصيني سيسبق ويتفوق على الاقتصاد الأميركي، وذلك في خلال فترة السنوات العشر المقبلة، لكن الهيمنة الثقافية ستبقى مصدر تفوق وتأثير لأميركا وبلا منافس ولفترة ليست بقليلة من الزمن. حاولت الصين أن تصرف الملايين على تكوين صناعة سينما مؤثرة، لكن بقيت الهيمنة للأفلام الأميركية وكذلك الإنتاج التلفزيوني، وهي مسألة تؤثر على الشباب الصيني وتقلق النافذين في الحزب الشيوعي المركزي الصيني؛ لذلك هناك توقع بتغيير جذري في اتجاه البوصلة لدى ساسة الصين وسياستها. سبعة من الأعضاء التسعة للإدارة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني سيتركون مناصبهم، و70% من قادة الصين المائتين الرئيسيين سيتم تغييرهم، وفي الأشهر الأخيرة بالرئاسة سيركز الرئيس الصيني هو جينتاو على السياسات الداخلية بشكل أساسي والتغيرات المتعلقة بالمناصب الجديدة لتأكيد الفكر والآيديولوجيا السياسية للحزب الشيوعي الحاكم لتكون أداة تحكم في القادة الجدد للصين وأسلوب توجيه.

هناك منهم من أبدى حنينا وتمجيدا مجددا لفكر ثورة القائد والزعيم المؤسس للثورة الثقافية بالصين ماو تسي تونغ وطالب بإعادة تدريس فكره بشكل مكثف، ولعل أهم من تبنى ذلك هو بوجيلاي، سكرتير الحزب الشيوعي في مقاطعة شونشنغ المؤثرة. فقد قال: إن الصين تحولت للنموذج الغربي بشكل زائد على اللزوم وأصبحت المادية هي السائدة بين الناس وهناك فجوة لا مساواة في المداخيل بين سكانها، وفقر وجريمة لم يكونا موجودين من قبل. يطالب هو وغيره بالعودة للجذور والثقافة الكونفوشيوسية وبسرعة. والصين، التي كانت تأمل بتصدير ثقافتها الناعمة كمطاعمها ومأكولاتها ورياضاتها وتراثها الأدبي وتفوقها العلمي، ستبدو منكفئة على نفسها للداخل وحماية نفسها من «الغزو» الثقافي والفكري، مما سيقلل اهتمامها بالانفتاح على العالم والاهتمام بذلك والاكتفاء بالإنتاج للداخل المحلي والاعتماد على النمو الاقتصادي لها في تحويل شرائح جديدة في مجتمعها لكي يكون مستهلكا لمنتجاتها. ويبقى السؤال: كيف سترد أميركا على هذا الحراك؟

الحرب الناعمة في جولة جديدة.. ترقبوها.

[email protected]