المشهد السياسي الأميركي يفتقر إلى فن المساومة

TT

يجمع السواد الأعظم منا على أمر واحد هذه الأيام وهو أن الكونغرس بات عاجزا عن أداء مهمته. ولمساعدة النواب في الهرب من مأزقهم الحالي، أقترح أن يقرأوا مقال توماس شيلينغ، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل «مقال في المفاوضة»، والذي نشر عام 1956، والذي يتسم بالعمق على الرغم من عدم احتوائه على معادلة واحدة.

تؤكد الفكرة الرئيسة للموضوع على أن مفتاح النجاح في العديد من الحالات المساومة يتمثل في القدرة على الالتزام بمسار عمل مستقبلي. ومن منطلق هذا التحليل، فاز مجلس الشيوخ في مواجهة خفض الضرائب على الرواتب أواخر العام الماضي عن طريق تمرير مشروع قانون ومن ثم الذهاب إلى المنزل لقضاء عطلة عيد الميلاد. كان هذا عرضا ذا مصداقية عالية من قبيل «اقبله كله أو اتركه كله».

وهذه القدرة يمكن أن تساعد في حل المواقف التي يجب أن يختار فيها اللاعبون بين استراتيجيتين هما: إما أن يتعاونوا، أو أن «ينشقوا»، كما يوصف مصطلح عدم التعاون في الأدبيات الاقتصادية. سيكون كلا اللاعبين أفضل حالا إذا ما تعاونا، ولكن هناك دائما ما يغري بالانشقاق عندما يتعاون اللاعب الآخر، محرزا فوزا كبيرا على حساب اللاعب الآخر.

عندما تتكرر هذه اللعبة مرارا وتكرارا، تسمى هذه الاستراتيجية الطبيعية - والناجحة في أغلب الأحيان - واحدة بواحدة، وتبدأ من خلال التعاون، على أمل في مستقبل أفضل، فإذا تعاون الجانب الآخر أيضا، سار كل شيء على ما يرام، ولكن إذا حدثت انشقاقات، ينبغي عليك رد الصاع، وما إن يبدأ الانتقام، سيكون من الصعب التوقف.

وعندما سألت نائبا جمهوريا سابقا في مجلس الشيوخ الجمهوري أن يشرح لماذا تم حرمان الكثير من المرشحين المؤهلين لإدارة أوباما خلال جلسات تأكيد تعيينهم، قال لي، «نحن نرد لهم الصاع».

وربما كان العام الماضي أحد أسوأ نوبات رد الصاع في مجلس الشيوخ في التاريخ، عندما رفض تعيين مرشحين متميزين من أمثال بيتر دايموند، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل الذي رشح مرتين لمنصب محافظ المصرف الاحتياطي الفيدرالي، والدكتور دونالد بيرويك، الخبير الرائد في مجال الطب القائم على الأدلة، الذي رشح لرئاسة الرعاية الطبية والمعونة الطبية. (عمل بيرويك بعد وقت قصير من بداية عطلة المجلس).

رفض عروض مثل هؤلاء الخبراء للمساعدة أشبه ما تكون برفض عرض من فيل جاكسون (مدرب كرة السلة الشهير) للمساعدة في تدريب مدرب فريق المدرسة الثانوية لكرة السلة.

لكن الأكثر إثارة للقلق كان الفشل في الموافقة على تعيين ريتشارد كورداي، السابق المدعي العام السابق لولاية أوهايو، لرئاسة مكتب حماية المستهلك. وفي هذه الحالة تحديدا، لم ينكر العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ أنه كان مؤهلا لتولي المنصب، لكنهم قالوا إنهم فقط لا يحبون الوكالة ورفضوا تعيين أي شخص لشغله. وقد رد الرئيس عبر القيام بنوع غير معتاد من التعيين عندما قام بتعيين كورداي خلال عطلة المجلس. وقد استشاط الجمهوريون غضبا لأنهم ظنوا أنهم قد حالوا دون تنفيذ مثل هذه الخطوة من خلال عقد جلسات «شكلية»، كانت تضطلع بمهمة واحدة وهي التأجيل لبضعة أيام. ويتوقع أن يؤكد كلا الجانبين على أن الطرف الآخر يتصرف بشكل غير معقول.

ربما كان رفض تعيين كورداي للتأكيد على الهدف المعلن للسيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية، الذي أكد على أن الرئيس أوباما سيكون رئيسا لولاية واحدة.

ولكني سألت السناتور ماكونيل: إذا حققت هدفك، وتم انتخاب رئيس جمهوري، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ألن يحاول الديمقراطيون في مجلس الشيوخ رد الصاع؟ إذا كانوا لا يحبون السياسة الخارجية للرئيس الجديد، على سبيل المثال، فقد يرفضون الموافقة على تعيين وزير الدفاع، مستشهدين بحالة كورداي كسابقة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التعيينات خلال العطلة أو عقد جلسات طارئة لمجلس الشيوخ.

يجب علينا أن نجد طريقة لتجنب هذا التصعيد من رد الكيل. فتشير كتابات شيلينغ إلى أنه للحصول على توازن تعاوني جديد في مجلس الشيوخ، يجب أن يكون كلا الطرفين قادرا على تقديم التزامات ذات مصداقية للتعاون في المستقبل. والوقت الحالي هو الوقت الأنسب للتوصل إلى اتفاق، كما لا يمكن التأكد من الطرف الذي سيكون مسؤولا في عام 2013، ولذا فإنني أحث هاري ريد، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، على السعي إلى تغيير قانون مجلس الشيوخ حتى يتسنى إجراء تصويت مباشر لجميع المعينين من قبل الرئيس في غضون 90 يوما من الترشيح أو تعيينهم بشكل تلقائي خلال 90 يوما.

صحيح أن الجمهوريين قادرون على الحيلولة دون إنفاذ مشروع قانون كهذا من خلال التعطيل، ولكن إذا كانوا يعتقدون حقا أنهم قادرون على الفوز بالرئاسة، ألا ينبغي عليهم أن يكونوا على استعداد لمبادلة عام من السماح بتعيينات أوباما من أجل ضمان أن يحظوا بنفس المعاملة عندما تؤول إليهم السلطة؟

بعد أن تم تمرير مشروع القانون، لم يتمكن أي من الطرفين من تغييره دون التغلب على تعطيل الآخر، لذلك سيجعل ذلك الجميع يلتزمون على الأرجح، سيكون ذلك التزاما. فأعضاء مجلس الشيوخ الذين يستطيعون الحيلولة دون تحديد موعد بناء على أهوائهم ونزواتهم سيفقدون القدرة على ذلك، بطبيعة الحال، لكن الدولة ستكون الرابح الأكبر. (وتدعم المجموعة غير الحزبية NoLabels.org هذه الفكرة).

وقد اتخذ الرئيس أوباما بعض القرارات التفاوضية مسبقا أيضا، فبغض النظر عما إذا كان قد تم تمديد العمل بتخفيض الضرائب على الرواتب على الضرائب من عدمه، فمن المتوقع أن تنتهي التخفيضات الضريبة التي أقرتها إدارة بوش بنهاية عام 2012، ويبدأ سريان الخفض التلقائي للإنفاق والذي يصل إلى 1.2 تريليون دولار، فإن المساس بالإنفاق العسكري سيكون صعبا. ومن منظور نظرية المساومة من المهم أن هذه هي الخيارات الافتراضية، فسوف تتطلب موافقة الكونغرس والرئيس لتجنب هذه التغييرات، وتذكر أنه مهما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) سيظل الرئيس أوباما والكونغرس الحالي في السلطة حتى عشية العام الجديد.

هذا ما يضع الرئيس في موقف تفاوضي قوي. فعلى الرغم من أن كلا الحزبين في الكونغرس يفضل تجنب العواقب المترتبة على التقاعس عن العمل، سيكون من الآمن القول إن الجمهوريين سيكرهون على نحو خاص انتهاء التخفيضات الضريبية التي أقرها بوش لأن الأغنياء سيكونون الأكثر تضررا في البلاد. ولنضع في اعتبارنا أنه بمجرد أن تنتهي التخفيضات الضريبية، سيتطلب الأمر وضع مشروع قانون جديد في عام 2013 لإعادتها، وحتى لو فاز الجمهوريون بالرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ، فسيكونون أيضا بحاجة إلى 60 صوتا في مجلس الشيوخ للتغلب على تعطيل الديمقراطيين للقانون.

كيف يمكن أن يستغل هذا الموقف لصالحه؟ ربما هذه هي الفرصة الأخيرة بالنسبة له، على الأقل خلال هذه المدة من رئاسته، بأن يعقد الصفقة الكبرى التي يريدها. ومرة أخرى، على الرغم من الخلافات بين الحزبين في مجلس الشيوخ فإن هناك بعض المناطق التي يمكن الاتفاق حولها. نحن نعلم جميعا أنه من الممكن خفض معدلات الضرائب والحفاظ على عائدات ثابتة من خلال تقليل الاستقطاعات والثغرات. من المؤكد أنه، ما من أحد - عدا بعض محاسبي الضرائب - يعتقد أن نظامنا الضريبي، على مقربة من الكمال. ويمكن التوصل إلى اتفاق كجزء من عملية إصلاح ضريبية كبيرة.

واقتراحي سيكون للرئيس أن يبدأ أولا باقتراح خطته الخاصة، واقتراض بعض المفاهيم لجنة باولز - سيمبسون، ومن ثم إلى تحدي أعضاء الكونغرس من أجل التوصل شيء يجمعون عليه بشكل أفضل. لكن عليه أن يضع قائمة من الشروط التي ينبغي أن تكون مرضية إذا كان سيوقع على مشروع القانون.

ويرى البروفيسور شيلينغ أن أفضل «ما يمكن القيام به» سيكون وضع المبادئ، لا الأرقام التعسفية. مثل هذا المبدأ ربما يسمى بـ«قاعدة بافيت» التي تقول بأن الأثرياء يجب ألا يدفعوا نسبة أقل من ضرائب الدخل عن السكرتارية الخاصة بهم. ولكن مهما كانت المبادئ التي يختارها الرئيس، لا بد له من أن يجعل الجميع يعتقدون أنه سيفي بوعده له والاعتراض على أي مشروع قانون لا يتضمن هذه الميزات.

أعتقد أنه قادر على تحقيق مثل هذا التعهد. وإذا خسر في الانتخابات، لماذا لا يخرج وهو في وهج مجد المبادئ؟ وإذا فاز فسوف يرغب في أن يبدأ فترة ولايته الثانية بملاحظة قوية وبناءة.

* خدمة «نيويورك تايمز»