الكعكة الحمراء

TT

بمناسبة الاختبارات الدراسية النصف سنوية التي يخوضها التلاميذ في هذه الأيام، يطيب لي أن أقدم لهم شيئا من تجربتي الشخصية لكي تكون (نبراسا) حسنا يتأسون به، وأقول:

من المرات الكثيرة التي أخذت فيها (كعكة حمراء) في شهاداتي - وهي عبارة عن دائرة حمراء تؤطر المادة الدراسية التي رسبت فيها - في سنة من السنوات، وذلك عندما سولت لي نفسي مع ثلاثة من الزملاء أن نذهب قبل ليلة من الامتحانات إلى قهوة خارج الطائف، وما زلت أذكر اسمها: (سطح القمر)، وفعلا كانت قهوة (اسما على مسمى)، حيث إنها كانت على قمة جبل مرتفع، وكان القمر وقتها فوق رؤوسنا ساطعا وكامل الاستدارة، والهواء عليلا، وكؤوس (الشاهي المنعنش) تأتي وتروح، وشيشة (الجراك) التي يتعاطاها البعض عامرة، ومسجلنا الرائع يصدح بأعذب الألحان، وأحاديثنا وذكرياتنا غير البريئة نتبادلها بين بعضنا البعض، وكأننا نتبادل حكم لقمان.

وبينما كنا في هذا الجو المفعم بالحبور سرقنا الوقت دون أن ندري حتى نبهنا العامل في المقهى إلى أن الساعة قد قاربت الثانية فجرا، عندها تذكرنا أن غدا هو يوم الامتحان، وكنا بين خيارين أحلاهما مر؛ إما أن نذهب للمدرسة مواصلين وهذا صعب، أو نذهب إلى منازلنا وننام وهذا لا يضمن لنا الاستيقاظ في الوقت المناسب.

وبحكم أنني (عاقل المرة)، فقد اقترحت عليهم أن لا نذهب للامتحان نهائيا، ونأتي بعذر مقنع للأستاذ ونتحجج فيه أن سيارتنا قد تعطلت، ولا شك أنه سوف يعيد لنا الامتحان، فوافقوني على ذلك.

وهذا هو ما حصل فعلا، فذهبنا إلى أستاذنا مثلما ذهب إخوة يوسف إلى والدهم، وقلنا له كاذبين: إننا ذهبنا إلى بلدة (عشيرة) وهي بعيدة عن الطائف نسبيا وذلك لكي نصيد (جرابيع) غير أننا وعند رجوعنا في طريق غير معبد انفجر (كفر) السيارة وما إن أصلحناه وعدنا حتى طلع علينا النهار، لهذا لم نتمكن من الحضور للمدرسة في الصباح.

وتفاجأنا أن الأستاذ قبل عذرنا وهو يبتسم قائلا بما معناه: لا بأس يا أبنائي سوف أعيد لكم الامتحان، ومن شدة فرحتي قفزت محاولا تقبيل رأسه، غير أنه صدني بيده الغليظة قائلا لي: سوف أسمح لك أن تقبل رأسي بعد الامتحان.

وفي اليوم الثاني استدعانا، وطلب من كل واحد منا أن يجلس على كرسي منفردا بعيدا عن الآخر، وفوجئنا به وهو يوزع علينا ثلاثة أسئلة لا غير، وكان محتواها:

1) أي إطارات السيارة الأربعة هو الذي انفجر؟!

2) كم كانت الساعة وقت حدوث الحادث؟!

3) من منكم الذي كان يقود السيارة؟!

طبعا أسقط في أيدينا ولم يكن هناك مجال للغش، لأن الأستاذ الذكي الخبيث كان واقفا على رؤوسنا وهو يهز (خيزرانته)، ومعها أيضا كان يهز ذيله. لهذا رسبنا جميعنا في الامتحان، والشيء الذي آلمني أكثر أن ذلك الأستاذ بعد أن أعطانا النتيجة قال لي وهو يضحك: الآن تعال قبل رأسي أيها (الجربوع)، وما زلت أذكر أن تلك (الكعكة الحمراء) هي الكعكة الرابعة التي حصلت عليها في مسيرتي العلمية الحافلة، التي أستحق عليها (مرتبة الشرف الأولى).

[email protected]