سوريا.. حالة ميئوس منها!

TT

استمعت بالأمس إلى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق، وهو الخطاب الرابع له منذ بدء المجازر. حاولت، طوال متابعتي للخطاب، أن أرى أي نوع من التغيير النوعي في محتوى الخطاب السياسي للرئيس السوري، وللأسف لم أجد أي تغيير أو تطوير، بل وجدت منطق الأفكار الكامل نفسه للأزمة، المبني على المعطيات التالية:

1- هناك مؤامرة كبرى على «سوريا العروبة» بسبب موقفها «الممانع»، وكل ما يحدث الآن محليا وإقليميا ودوليا هو مؤامرة تشترك فيها أطراف سورية وعربية ودولية تهدف إلى ضرب التجربة السورية الرائدة.

2- «لا داعي لفكرة حكومة وحدة وطنية»، على حد وصف الرئيس؛ لأن مثل هذه الحكومات تأتي في بلاد فيها انقسامات، أما نحن فلا يوجد لدينا هذا الانقسام.

3- التبشير بالإصلاحات الكبيرة المقبلة في البلاد، أحزاب جديدة، دستور عصري جديد، وحريات عامة.

4- الدولة تتابع إذا ما كانت هناك أخطاء في التعامل مع بعض الأعمال المسلحة من جانبها والتأكيد أنه «لم يصدر أي أمر بممارسة أي عنف ضد المتظاهرين»، ولا أسف لدماء الشهداء.

لاحظ أن عدد الشهداء «المعلن» تجاوز السبعة آلاف، والجرحى عشرات الآلاف، والمفقودين غير معروف، والنازحين إلى تركيا ولبنان والأردن تجاوز الـ50 ألفا.

5- ما زال خطاب الرئيس السوري قائما على الأسلوب البعثي القائم على المحاضرة الطويلة المرهقة المعتمدة على الفلسفة وتعابير «تحرير المفاهيم» والغوص في صك مصطلحات ومفاهيم خاصة تخدم النظام لا مرجعية لها في العلوم السياسية المعاصرة.

6- أكد الرئيس، في خطابه، أن سوريا تستطيع أن تعيش دون الجامعة العربية، لكن كيف يمكن أن تعيش الجامعة دون سوريا، قلب العروبة النابض، على حد وصفه؟ هذا المنطق الإنكاري الاستعلائي، الذي اتبعه، منذ بدء التاريخ، نيرون وقارون وفرعون وهتلر وموسوليني وبينوشيه وبابادوك وموبوتو وصدام وبن علي والقذافي، أدى بأصحابه إلى التهلكة وأدى بشعوبهم إلى دفع فاتورة شديدة التكلفة.

7- أكد الرئيس السوري، في خطابه، أن البلاد مقبلة على «تبديلات» لصالح جيل الشباب. ولم يستخدم، بل ولم يجرؤ على استخدام، وصف تغييرات!

8- رفض الرئيس وصف هذه «التبديلات» على أنها تهدف إلى بناء سوريا الجديدة، لكن ما سماه سوريا المتجددة. لاحظ أنه يخشى كلمتي «تغيير» أو «تجديد»؛ لأن ذلك فيه ولو أدنى اعتراف بأن البلاد كانت ذات يوم في عهده تعاني أي مشكلة من أي نوع يحتاج إلى تغيير أو تجديد! هذه العقلية لا بد حتما أن تصطدم في حائط التاريخ اصطداما مخيفا ومدويا سوف يؤدي إلى انشطارات في الداخل وفي المنطقة. قد تطول فترة رحيل هذا النظام، لكن بعد كل ما حدث، فإن حالة النظام السوري ميئوس منها تماما، كما وضح بشكل محزن للغاية في خطاب الأمس.