لندن عاصمة الجمهورية العراقية

TT

يتساءل الناس عن سر فشل التجربة الديمقراطية في العراق. وآن لي أن أكشف عن هذا السر، وهو سر بسيط، لقد جرت الانتخابات في العراق، وهذا غلط، كان المفروض أن تجري في لندن. ولندن، كما يقول العارفون، أصبحت عاصمة الفكر العربي عموما، وليس العراقي فقط، فمنها انطلقت أمهات الصحف والمجلات العربية والكثير من فضائياتنا، وإليها لاذ العديد من كتابنا ومفكرينا وفنانينا. ينطبق ذلك بصورة خاصة على العراقيين.. نراهم في الواقع يمثلون زبدة الفكر والثقافة، وكانوا هم الذين قادوا النضال ضد صدام حسين وتفاوضوا باسم العراق مع الدول، عاد الكثيرون منهم من حملة الجنسية البريطانية وتسلموا مناصب رئيسية في بغداد. ولما كان الإنجليز والأميركان هم الذي حرروا العراق من نظام صدام ووضعوا أسس الإدارة الحالية وكتبوا دستور البلاد، والشائع أنهم أيضا المسؤولون عن تصريف شؤون الوطن ومصادر الثروة فيه وتسلم مسروقاتها واستثمارها، فالمنطق يقتضي أن يعطى حق التصويت لهم، دون غيرهم. وكما نعلم، فكل المعلومات الأساسية التي تتعلق بالعراق ومستقبله وأحوال شعبه هي في أيدي القوى الغربية، فلا علم للعراقيين بها، العراقي لا يعرف شيئا عن بلده غير ما تجود به أيدي الكرام من مصادر المعلومات الغربية، ومن المعتاد لها أن تعطيه فقط ما يمكن لعقله أن يتحمله ويفهمه، ولا يوجع دماغه ويحرمه من نومه، حتى جل التراث العراقي من ملحمة غلغامش إلى شريعة حمورابي لم يعرفها العراقيون إلا بعد أن اكتشفها الألمان والإنجليز وترجموها ونشروها، كل ما هو غير ذلك من تاريخ العراق كومة من الأكاذيب والخيالات والشعر العربي.

وهذا ما يحملني إلى القول بأن من المعقول، بل والمطلوب، هو أن يعطي قانون الانتخابات حق التصويت لهؤلاء الخواجات من الأنجلوسكسون وليس للناس من سكان العراق الذين لا يعرفون أي شيء من الحقائق المتعلقة ببلدهم. فضلا عن ذلك، علينا أن نتذكر أن أكثر من نصف سكان العراق أميون عاجزون عن معرفة أي معلومة مفيدة تتعلق بحياتهم ومصيرهم. وما أقوله عن العراق في الواقع ينطبق على دول الربيع العربي.

لقد ذهبت مبكرا إلى منطقة ويمبلي في لندن ورأيت مركز الانتخابات العراقية وهزني ما رأيت فيها من النظام واحترام القانون والأعراف البريطانية، مثل الوقوف والانتظار في طوابير منتظمة وهادئة، والشرطة في الشوارع المجاورة تقوم بتنظيم حركة السير والمرور والوقوف، لم أسمع عن أي تزوير أو تجاوزات أو ضغوط جرت، كان كل شيء مفخرة من مفاخر الحياة الديمقراطية، كان العيب الوحيد فيها هو أن الناخبين الذين جاءوا وأدلوا بأصواتهم كانوا عراقيين وليسوا إنجليزا، فحصلنا على هذه النتيجة التعيسة التي ما زال العراق يتخبط بتداعياتها. كان الموظف المسؤول في مركز الانتخابات يدقق في هوية الناخب ويتأكد من جنسيته العراقية، وهذا هو الغلط في رأيي، كان عليه أن يسأله عن جنسيته البريطانية ويتأكد أنه غير عراقي، وهذا ما أتمناه وأحرص عليه. لضمان الحصول على نتائج مفيدة ومعقولة، يجب أن تجري الانتخابات في عواصم البلدان التي تمسك بمفاتيح مستقبلنا ودفاتر حساباتنا.