فشل السياسة الخارجية لأوباما

TT

يخبرنا الكتاب السياسيون أن سجل العلاقات الخارجية للرئيس باراك أوباما سيكون إحدى نقاط القوة خلال حملته في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2012، ويعتمدون في ذلك على منطق بسيط وسهل للغاية، وهو ما لخصه الرئيس أوباما نفسه في 11 كلمة فقط خلال خطابه للبنتاغون الأسبوع الماضي، حيث قال: «لقد أنهينا الحرب في العراق وقضينا على معظم قيادة تنظيم القاعدة».

وربما يكون هذا كافيا في عام تحظى فيه السياسة الخارجية بأولوية متدنية لدى الناخبين. ومن الممكن أن تكون هناك، بطبيعة الحال، أزمات غير متوقعة، مثل الدخول في مواجهة مع إيران التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بشكل جنوني، على سبيل المثال، ولكن حتى بعض الكوارث المتوقعة قد لا تسبب كثيرا من الأذى: هل المستقلون في ولاية أوهايو أو فلوريدا سيغيرون رأيهم لو عاد العراقيون إلى قتل وذبح بعضهم بعضا؟

ويشعر هؤلاء الناخبون أن الرئيس أوباما قد تعامل بشكل جيد نسبيا، في الوقت الراهن، مع المشكلات الكبيرة التي ورثها عن سلفه، وهي الحروب الخارجية وتنظيم القاعدة. ومع ذلك، لم تكن هناك مناقشة حول أداء الرئيس في ما يتعلق بأولوياته في الشؤون الخارجية؛ المبادرات التي اختار أن يتبناها.

وإذا كان الأمر كذلك، فيعد هذا من حظ أوباما الجيد، لأن أكبر أوجه القصور خلال ولايته الأولى وهو في العام الأخير منها يتمثل في أفكاره الخاصة، ولعل إحدى هذه الأفكار التي يمكن ملاحظتها بسهولة، والتي يمكن أن تجذب انتباه الجمهوريين في الخريف المقبل، هي تلك التي تتعلق بعملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، فعندما وصل الرئيس أوباما إلى سدة الحكم كان لديه حماس وطموح كبير لإنشاء دولة فلسطينية في غضون عامين، ولكن دبلوماسيته كانت تستند إلى سوء فهم مزدوج: أن مفتاح نجاح المفاوضات يكمن في إجبار إسرائيل على وقف بناء المستوطنات بشكل كامل، وأن الولايات المتحدة لديها النفوذ الكافي لتحقيق ذلك.

وقد أعرب المحنكون في «عملية السلام» في الشرق الأوسط عن دهشتهم لما كان يبدو في البداية مجرد خطأ ثم سرعان ما تحول إلى فتور في العلاقات على مدار عامين بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ولم يكن هناك سوى تفسير واحد لهذا التمادي في العبث وهو أن الرئيس كان قد أعد نفسه لذلك.

وكان المشروع الكبير المقبل لأوباما هو الحد من التسلح النووي العالمي؛ وهي المبادرة التي أثارت إعجاب السويديين لدرجة أنهم منحوه جائزة نوبل للسلام قبل أن يتمكن من العمل في تلك المبادرة من الأساس. ومع ذلك، تبدو النتائج حتى الآن لا تستحق تلك الجائزة. إن معاهدة «البداية الجديدة» مع روسيا بشأن الأسلحة النووية تنص فقط على مجرد خفض عدد الرؤوس الحربية وهو ما شرعت فيه روسيا بالفعل، في الوقت الذي تشهد فيه ترسانة الأسلحة الأميركية خفضا طفيفا. وقد حققت المبادرات المتعددة الأطراف والأكثر طموحا التي تبناها أوباما - للسيطرة على المواد النووية، على سبيل المثال - تقدما قليلا، على الرغم من القمة الموسعة التي استضافها الرئيس في عام 2010.

ويبدو مرة أخرى أن هناك انفصالا بين أفكار أوباما الكلاسيكية التي تعود للسبعينات من القرن الماضي، والعالم الحقيقي في بدايات القرن الحادي والعشرين. وفي الواقع، لا يوجد هناك شيء خاطئ في توسيع نطاق الاتفاقيات النووية للحرب الباردة مع روسيا، أو استخراج اليورانيوم عالي التخصيب من أوكرانيا وتشيلي، ولكن أخطر تهديدات الانتشار النووي تنبع من البلدان التي لا تحضر المؤتمرات أو توقع على المعاهدات الدولية، مثل كوريا الشمالية وإيران. ومن حيث القدرة النووية، تقدم البلدان عما كانا عليه في عام 2009.

ويأخذنا هذا إلى أكثر أفكار أوباما تميزا - وأكثرها شؤما - التي حظيت بالتركيز الإعلامي الأكبر خلال حملته الانتخابية في عام 2008، ألا وهو التصميم على «التعامل» مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا. وقد وعد أوباما باتباع «الدبلوماسية المباشرة» - حتى من خلال عقد اجتماعات رجل لرجل - مع شخصيات من أمثال آية الله علي خامنئي وكيم إيل جونغ. وعلى نطاق أوسع، قال أوباما إنه يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من خلال الوصول إلى الأنظمة الاستبدادية، في الوقت الذي تخلى فيه عن «أجندة الحرية» التي كانت تتبعها إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش.

وخلال عامه الأول في الرئاسة، بعث أوباما برسالتين إلى خامنئي، في الوقت الذي حافظ فيه على مسافة بينه وبين الحركة الثورية الخضراء، وصافح هوغو شافيز رئيس فنزويلا، وسعى «لإعادة ضبط» العلاقات مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، وأرسل مبعوثين لبشار الأسد في دمشق، كما ألقى خطابا شاملا إلى العالم الإسلامي من القاهرة.

كانت النتائج هزيلة؛ فقد رفض خامنئي رسالة أميركا، وتحسنت العلاقات مع بوتين لفترة ولكنها سرعان ما عادت لأجواء الحرب الباردة من جديد، وانخفضت شعبية أوباما في مصر والشرق الأوسط عما كانت عليه عندما ألقى خطاب القاهرة.

ويعود ذلك بصورة كبيرة إلى تعامله بشكل سيئ مع التطورات الدولية الكبرى في فترة رئاسته، التي تتمثل في الثورات الشعبية ضد الاستبداد، وسوء توقيته في اتخاذ القرار الصائب، حيث كان دائما يتأخر في دعم الثورات؛ فبعد تأخره في دعم الحركة «الخضراء» الثورية في إيران، تأخر أيضا في دعم الانتفاضات الشعبية في كل من مصر وسوريا والبحرين وأماكن أخرى.

وفي الحقيقة، لم تظهر عواقب تلك المواقف بوضوح حتى الآن. وبالنسبة للناخبين، وربما حتى للتاريخ، قد يفوق ذلك تفكيك تنظيم القاعدة. ومع وضع كل تلك الأمور في الحسبان، فيمكن النظر إلى الرئيس على أنه قائد جيد في مجال الحرب على الإرهاب وأنه نجح في إنهاء الحرب كما وعد، وأن مبادراته تعاني من التخبط.

*خدمة «واشنطن بوست»