الحصانة والحصان

TT

قدمت المبادرة الخليجية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح هبة لا يحلم بها، ونستطيع القول إن الحياة كتبت له مرتين بعد محاولة الاغتيال في يونيو (حزيران) 2011، مرة حينما نجا يومها من التفجير بأعجوبة، ومرة أخرى حينما حصل على حصانة قانونية وقضائية من مبادرة الحل الخليجية له ولرفاقه عن كل ما ارتكبوه خلال ثلاثين عاما حكم فيها بقبضة من حديد. صفقة خيالية لم تحصل مع غيره الأقل منه آثاما والذين قتلوا أو سجنوا.

هو سياسي بارع ولا شك، ضمن الخروج من أمام منصة القضاء بكرامة سياسية على الأقل، دون أن يكون لأحد حق الاعتراض، كما أن أمامه قائمة بدول مستقرة ومتطورة تنتظر طلبا منه بالدخول إليها ليعيش بقية عمره في أمان ورفاهية. صالح من أكثر الحكام العرب التصاقا بجدران قصور الحكم، وهذا بفعل الزمن والتكرار والاعتياد، لكن عليه أن يتذكر أن من الذكاء أيضا أن يقرر لنفسه موعدا للرحيل، وأن يحسن الخروج.

إن وجود صالح فيزيائيا في اليمن هو أهم عنصر جالب للتوتر السياسي والأمني ومستفز للخلافات، ولا يحقق التوازن السياسي الذي تطمح له المبادرة الخليجية في الساحة اليمنية، وخروجه ضرورة حتمية لضمان تحقيق المبادرة في أجواء صحية، ولكن الخروج الفعلي المنشود هو أن لا يتاح له ممارسة العمل السياسي بعد رحيله من اليمن أيا كانت الأرض التي تحمله.

المخالصة القضائية التي حصل عليها صالح هي عطية كبيرة عليه أن يدفع ثمنها، فقد نجا بسببها من الوقوف في قفص الاتهام أمام شاشات التلفزة، وحفظ بها حياته وماء وجهه وأعوانه من أحكام قضائية مستحقة في الدم والمال والسلم الأهلي، وأقل الأثمان أن يختفي من الصورة العامة اليمنية، وسواء خرج لاستكمال علاجه، كما ادعى، أو خروجا سياسيا، فهو التزام لا مفر منه لاستقرار اليمن، ودخوله من الباب الخلفي عبر التحريض أو الدعم أو التصريحات الإعلامية هو انتهاك لالتزامه ترك السلطة.

الحصانة يقابلها خروجه على ظهر حصان يسابق الريح بعيدا عن الأرض اليمنية، هذه بتلك، وهو أقل تقدير من العدالة. الناس لن تنسى دماء أهلها الذي سفكه صالح في الساحات والشوارع، ولا الظلم الاجتماعي من فئات كبيرة في المجتمع اليمني الذي لحقها طوال سنوات حكمه ما دام هو أمامها وتشعر بوجوده كل يوم، ولكن بإمكانها أن تحصل على القليل من الرضا إن غاب عن الساحة التي حارب لأجلها طويلا.

اليمن بحاجة إلى أن يتنفس بعمق في أجواء صافية، فالبلد منهار اقتصاديا، والبنية التحتية متصدعة، والحالة الأمنية مهددة بالانفجار، لأن أنصار كل طرف متربصين بالطرف الآخر.

الديمقراطية في اليمن تمشي في طريق مليء بشظايا الزجاج التي خلفتها الفوضى والنزاعات، ستكون خطوات دامية ومؤلمة، ولكنها على الأقل تملك حيوية المسير. من يقرأ شخصية صالح يعرف أن اللعبة لديه لم تنته بعد، وأن حادثة المسجد أكسبته صلافة أكثر من السابق، وربما أشعلت نار الانتقام في نفسه. ولكن من الأهمية كما صرح رئيس حكومة الوفاق الوطني، محمد باسندوة، أن يتدخل الخليجيون لضمان تنفيذ المبادرة تنفيذا فعليا، وليس شكليا.

* كاتبة سعودية

[email protected]