قبلة.. نوما هنيئا

TT

عندما تقول «السيدة الحديدية»، تعرف الناس في أي مكان من العالم أنك تعني مارغريت ثاتشر. عشر سنوات في 10 داونينغ ستريت وإذا بها تكسب هذا اللقب. وبعد 60 عاما في باكنغهام بالاس، لم تكسب إليزابيث الثانية أكثر من «السيدة التاريخية». كلتاهما كتبت صفحات في التاريخ، وفقا لطباعها وصلاحياتها. تمثل ميريل ستريب دور الليدي ثاتشر في فيلم «المرأة الحديدية»، الذي كُتب عنه الكثير. البعض انتقده، لأنه ربما يحب ثاتشر أكثر من أداء ستريب. أنا منبهر بأداء الأولى سياسيا وأداء الثانية سينمائيا، ومن حظي المهني أنني قابلت الليدي ثاتشر ثلاث مرات في لندن، وأمضيت برفقتها يوما كاملا في البحرين بعد تقاعدها. وكان ذلك يوما تاريخيا (شكرا للراحل طارق المؤيد) مع سيدة تاريخية، يرافقها ابنها مارك غير التاريخي إطلاقا.

في المتفرقات التي قرأتها عن «السيدة الحديدية» ومشخصتها الرائعة، توقفت، بشيء من الحزن الحقيقي عند ما كتبه السير دوغلاس هيرد، وزير خارجية ثاتشر في «نيوستيتسمان» عن الفيلم. ينتقي هيرد مشهدا من الفيلم فيه تنادي الأم ثاتشر ابنتها قبل النوم، وتقول لها: فليأت مارك ويقبلني على جبيني قبلة الليلة السعيدة!

ترد ابنتها برفق: إن مارك في لوس أنجليس، وليس في البيت. تغفو الأم، المصابة بفقدان الذاكرة، أو ما يسميه التوحش العلمي البارد، الخرف! يتساءل دوغلاس هيرد: كيف يصور الفيلم والمرأة على قيد الحياة؟ صحيح أنها لن تستطيع أن تشاهده «بسبب اعتلالها الصحي (يا للرقي والنبل)، لكنها تقابل عشرات الأشخاص الذين قد يحدثونها عنه؛ فكيف سيكون شعورها؟

تخون الأفلام المتعلقة بالسيرة الشخصية بطلها، في رأي هيرد، فقد ركز الفيلم على بعض القضايا المشهورة (حرب الفولكلاند)، وأهمل قضايا مهمة أخرى. وفي جملة ما أهمل، أسلوب السيدة في التفرد بالقرارات، وهو ما ألحق بها الأذى بين وزرائها، وأدى في النهاية إلى استقالتها بعد انصرافهم عنها.

قابلت دوغلاس هيرد مرتين كوزير للخارجية، ثم مرة بعد استقالته، في حفل أقامه له ناشر عربي لم يبق طويلا في عالم النشر، وأخذ معه أحلام هيرد وأعمال سواه. سألته يومها لماذا استقال، وهو مرشح لرئاسة الوزراء. قال: المنصب هنا يفقر، أريد أن أعمل شيئا لآخرتي.