ألف سلامة لقلب الوزير

TT

مهمة وزارة الإعلام في أي بلد عربي صعبة ومعقدة، وفي السعودية أكثر صعوبة وتعقيدا، فالوزير المكلف بها مطالب بأن يراعي الكثير ويقدر الكثير من العناصر والوسائل، مع عدم إغفال المنافسة المفتوحة والآفاق المتاحة التي تجبر القائمين على الشأن الإعلامي على أن يطوروا الوسائل والأدوات والسبل لمجاراة العصر ومتطلبات الوقت، ناهيك عن مراعاة مجتمع متغير ومتطلبات التغيير. وكل ذلك الهم والتعب يجب أن يتحول إلى حالة مرضية تصيب الجسد وتسقم البدن بشكل مؤسف، وهذا ما حدث مؤخرا مع وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه، الذي اضطر إلى إجراء عملية دقيقة في قلبه لتعديل الشرايين فيه قبل تفاقم الأمور صحيا بشكل خطير. وقد جاء اكتشاف العلة المرضية هذه للوزير وهو في زيارة روتينية لطبيبه الذي لم يسمح له بمغادرة المستشفى وذلك لاكتشافه تشخيصا يتطلب التدخل الجراحي وعلى عجالة.

عبد العزيز خوجه رجل نجح في كل مناصبه، وتألق بتميز في كل مهامه. كان بارزا، أكاديميا وإداريا، في جامعة الملك عبد العزيز، وبعدها دخل الحقل الإعلامي إداريا، وتذوق بدايات العمل الإعلامي خلف الكواليس الإدارية وما يتعلق به من تحديات ومن مصاعب. وبعدها انتقل للعمل الدبلوماسي الطويل، متنقلا برشاقة وقوة ونجاح بين أنقرة والرباط، وبعدها مستقرا في بيروت. كل بلد كانت فيه حزمة من التحديات والملفات المعقدة التي اعتمد فيها على سلاسة الحل الدبلوماسي والعلاقات الشخصية المبنية على الثقة والمصداقية والأمانة، وأسهم في تحسين العلاقات «الباردة» مع تركيا، وتطوير العلاقات مع المغرب، ودخل في خضم الأزمة اللبنانية وخباياها وعقدها وهواجسها، وكان شاهدا وحاضرا على فصول مؤلمة وعنيفة، وحاول دوما أن يكون صوت العقل والمنطق والحكمة والتوسط والوسطية، كل ذلك مع الحفاظ على اللمحات الثقافية التي تكون شخصيته من حضور متواصل مع الإعلام والكتاب، وإنتاج لم ينقطع من الشعر والكلمة، حتى كان حضوره الموفق للتعامل مع أزمة إجلاء المواطنين السعوديين من لبنان بسبب حرب إسرائيل الهمجية، والتي تعامل معها عبد العزيز خوجه بشكل عقلاني وحكيم ومسؤول أدى لأن ينال استحسان المواطن والمسؤول بشكل غير مسبوق، وكان قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن يمنحه لقب سفير فوق العادة تكريما له ولدوره، وبعدها يتم اختياره وزيرا للثقافة والإعلام.

وتعامل الوزير المحبوب مع ملفات مختلفة ومقعدة بسلاسة عقل، منها تطوير أجهزة التلفزيون والإذاعة، واستضافات ناجحة لمعرض الكتاب الذي بات إحدى أهم المناسبات من نوعها في العالم العربي، وتحمل إساءات الموتورين على حساب نفسه وكرامته بشكل لا يقبل. وكان نبيلا وفيا في تواصله مع وزراء الإعلام السابقين دون نكران أو إنكار، وحضرت ذلك بشكل شخصي مع عميد الإعلام الكبير جميل الحجيلان، وكان وفيا ونبيلا مع صديق عمره الدكتور محمد عبده يماني (رحمه الله). ونال عبد العزيز خوجه احترام شريحة عريضة من المثقفين والإعلاميين، حتى ممن يخالفونه، وهي مسألة صعبة الحصول في ظل أي مجتمع حاد في آرائه وشرس في الدفاع مواقفه.

الجانب الإنساني للوزير عبد العزيز خوجه يطغى على الجوانب الأخرى في شخصيته، فيظهر فيه التسامح الحقيقي والوسطية الدينية الصادقة، والثقافة الخالية من الادعاء والتصنع، والمهنية الملتزمة دون الأنا المتفجرة. حجم التعاطف النبيل والصادق ومشاعر الحب التي تفاعلت مع أخبار عملية عبد العزيز خوجه الجراحية يعكس مكانة الرجل في بلاده وبين أهله، وهي مكانة وصل لها بحصاد سنين من الأدب والاحترام والعمل الصادق، يغبطه غيره عليها، ويتمنى مثلها الكثيرون.

الإعلام السعودي ملف شائك ومعقد، وفي الكثير من الأحيان ملغم وصعب التعامل معه، لذلك كان دوما ما يتطلب شخصية مرنة وفيها القدر الكافي من المهنية والكياسة، وهي مسألة نجح فيها خوجه بامتياز فريد من نوعه. نسأل الله أن يتم شفاء الوزير عبد العزيز خوجه ويعيده لأحبابه بقلب سليم. ألف سلامة على جراحة القلب المفتوح لصاحب القلب المفتوح دوما.

[email protected]