النظام الرئاسي أو حكومة أغلبية

TT

هل يمكن أن يكون خروج القوات الأميركية من البلد بداية حقبة جديدة في تاريخ العراق المعاصر؟ وكيف يمكن لنا أن نتجاوز تبعيات السنوات الماضية؟ وما هي الحلول المتوفرة لدينا لبناء الدولة العراقية الحديثة؟

بالتأكيد علينا أن نقول بأن العملية السياسية والديمقراطية في العراق تحتاج إلى جملة من الإصلاحات التي من شأنها أن تكون سببا جوهريا في تقدم البلد ورفاهيته واستقراره، وإحدى أهم هذه النقاط التي يجب أن تبحثها القوى السياسية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي هي عملية إصلاح النظام الديمقراطي في البلد من خلال رؤية جديدة لطبيعة النظام السياسي العراقي ومراجعة مواطن الخلل فيه.

وعلى القوى السياسية في العراق أن تستثمر الوعي الشعبي الذي يميل للديمقراطية كخيار استراتيجي له وليس مرحليا، لكن الشعب العراقي يريد ديمقراطية قادرة على أن تمنحه حكومة قوية قادرة على أن تقدم له ما يتمناه، حكومة لا تتنازعها التجاذبات ولا تعتريها الفجوات ولا تسودها حالة عدم الثقة والتخوين.

والإصلاح كما يعرف الجميع يتمثل في مجموعة الأنظمة والقوانين السائدة في البلد، فهل يحتاج الدستور العراقي إلى تعديل؟.. يبدو السؤال في نظر البعض خطيرا، إلى درجة أنه لم يتناوله الإعلام العراقي ولا حتى القوى السياسية، ولم ينتبه أحد إلى أن الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وحتى العلاقات الدولية للعراق ترتبط ارتباطا مباشرا بالعملية السياسية في البلد التي هي عملية دستورية تتحكم بها مواد الدستور وآلياته. وما يهمنا في الدستور العراقي وما يجب أن نخضعه للنقاش مسألة النظام البرلماني والنظام الرئاسي، وهذه نقطة مهمة جدا، فبعد دورتين انتخابيتين ثبت لنا فشل النظام البرلماني في إنتاج حكومة قوية، وكل ما خرجنا به «حكومة محاصصة» ومن ثم «حكومة شراكة» بذات الآليات مع توسيع وترهل الدولة العراقية وزيادة عدد الوزارات، وحتى تعبير «مجلس الوزراء» لا يعني سوى مزيد من التقييد للصلاحيات إلى درجة يصعب معها إنجاز مفردات البرنامج الحكومي في سياقه الزمني، وهذا ما حصل فعلا في أغلب وزارات الدولة العراقية وانعكس على أداء مجالس المحافظات التي خضعت هي الأخرى في تركيبتها للشراكة دون أن ننظر إلى سلبيات الشراكة نفسها ونظرنا إليها على أنها ضرورة مرحلة ربما اقتضتها ظروف البلد.

فنحن إذا أردنا أن نحل مشاكل المواطن الاقتصادية وننفذ البرنامج الحكومي، ونستثمر الموازنة بشكل سليم وصحيح، فعلينا أن نمتلك حكومة قوية وبصلاحيات قوية، وهذا يعني أحد أمرين.. إما التوجه للنظام الرئاسي كما هو معمول به في أغلب الديمقراطيات العريقة في أوروبا وأميركا، وإما أن نحترم الأغلبية السياسية التي تعني 51 في المائة من المقاعد أو الأصوات ويجلس الآخرون في مقاعد المعارضة يراقبون الحكومة ويشكلون حكومة ظل ويكونون صوت الشارع العراقي بأغلبيته السياسية وأقليته بدلا من أن تترك المعارضة بمفهومها المتعارف عليه بلا قيادة، مما يحول الشارع العراقي بين الفينة والأخرى إلى حقل لتجربة أجندة هذا أو ذاك، أو نجد قوى سياسية لها قدم ونصف قدم في المعارضة السلبية ونصف قدم آخر في الحكومة، وعلينا أن نتحلى بالجرأة ونبدأ مرحلة مكاشفة ومصارحة لتقويم وإصلاح العملية السياسية في البلد، هذه العملية التي ما زالت تنتظر الإصلاح.. الدستور بحاجة إلى التعديل في أكثر من فقرة، النظام الانتخابي بحد ذاته يحتاج إلى قراءة جديدة بغية معالجة مكامن الخلل، العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية هي الأخرى تحتاج إلى وضوح، كما أن هناك مجالس الأقضية والنواحي التي أصبح عمرها دورتين انتخابيتين دون أن تحل وتجرى انتخابات لها.

ما نريد أن نقوله إن أي حكومة قوية بإمكانها أن تحل المشاكل الاقتصادية والتهديدات الأمنية بسرعة، خاصة في بلد مثل العراق يمتلك الإرادة والمال والقدرة والثروات المتعددة.

لهذا أجد أنه على من يهمه الأمر سواء مجلس الوزراء أو البرلمان أو منظمات المجتمع المدني، أن يحاول طرح تعديل نظام الحكم في العراق بعد دراسة مستفيضة للنظامين البرلماني والرئاسي، وأن تكون الغاية الحقيقية ولادة سلطة تنفيذية قوية لا تقاسم فيها للصلاحيات على حساب المواطن، وبالتأكيد هنالك آراء ربما تتفق مع هذا أو تختلف، ولكن علينا أن نضع يدنا على الخلل ونعالجه، وأن نضع الديمقراطية العراقية في سكتها الصحيحة بعد أن ظلت لدورتين انتخابيتين تسير باتجاه محطات مجهولة نوعا ما.