كيف ينبغي للغرب الرد على العدوان النووي الإيراني؟

TT

لقد دخل الصراع الدائم بين إيران والغرب مرحلة خطيرة جديدة، خاصة مع تصاعد التوتر في الخليج العربي منذ أن هددت إيران بالانتقام لاغتيال مهندس كيميائي مرتبط ببرنامج الجمهورية الإسلامية النووي في الأسبوع الماضي.

ولكن لماذا تنتهج إيران مثل هذا السلوك؟.. إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن طهران تسعى بدأب، خلف كل هذا الغضب والأصوات العالية، إلى تنفيذ سياسة قائمة على ثلاثة محاور تتضمن استفزاز المجتمع الدولي، وصنع ضجة دبلوماسية، بينما هي تسير بلا هوادة باتجاه صنع القنبلة النووية.

وقد اتسم سلوك الجمهورية الإسلامية، في الأشهر القليلة الماضية، بأنه مربك، حتى بالنسبة لأكثر المراقبين حنكة، فبعد وقت قصير من إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الحاسم في نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي أعقبة تهديدات بفرض عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي، اقتحم أفراد ميليشيا «الباسيج»، الذين تنكروا في هيئة طلاب، مقر السفارة البريطانية في طهران في ذاك الشهر. كما تسببت محاولة واشنطن في الآونة الأخيرة تقييد تجارة النفط الإيراني، من خلال فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، في دفع طهران للتهديد بزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي عن طريق إغلاق مضيق هرمز، وهو الممر المائي الذي يمر عبره سدس إنتاج النفط في العالم.

وتعد مثل هذه الإجراءات العدوانية خروجا من جانب النظام الإيراني عن سلوكه المعتاد، الذي اتسم لفترة طويلة بقدر كبير من ضبط النفس في عدائه مع الآخرين، ولا يعد مثل هذا السلوك منطقيا، في الواقع، إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن إيران ترى نفسها متورطة في صراع مع الغرب، وأنها مصممة على الرد على التصعيد الأخير في سياسة الولايات المتحدة بتصعيد آخر من جانبها.

وقد قال مسعود جزايري، نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، في ديسمبر (كانون الأول)، إن المبادئ التوجيهية الجديدة للقوات المسلحة من جانب المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، تتضمن أنه «من الآن فصاعدا، فإننا سوف نرد على أي تهديدات بتهديدات أخرى من جانبنا».

وتأمل إيران أن يدفع سلوكها المزعزع روسيا والصين، وأعضاء مجتمع عدم الانحياز، الذين يخشون من الحرب، إلى تحدي جهود الولايات المتحدة لتشديد العقوبات عليها.

وينطوي المحور الثاني من استراتيجية إيران على قيامها بإرسال إشارات عن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع ألمانيا، ومع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالأمم المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن سعي إيران للحصول على أسلحة نووية قد ارتبط دائما بدخولها في مفاوضات، حيث إن الدخول في مفاوضات دبلوماسية طويلة الأمد، وإن كانت متقطعة، يعمل على توفير مظلة، تستطيع طهران تحت غطائها أن تمضي قدما في تنفيذ برنامجها النووي، وبالتالي فليس من باب المصادفة أن إيران قد قامت باتخاذ هذه الخطوة الدبلوماسية الأخيرة بحيث يتوافق توقيتها مع قيامها بتكثيف أنشطتها النووية. ويمكن لإيران من خلال التهديد بتعطيل إمدادات النفط العالمية وقيامها في الوقت نفسه بالتلويح بإمكانية الدخول في مفاوضات، الضغط على لاعبين فاعلين، مثل روسيا والصين، لجعلهم أكثر تفهما، في مسعاهم لتجنب أزمة يخشون من وقوعها.. وأي تنازلات قد تقوم بها إيران على طاولة المفاوضات ستكون رمزية ويمكن التراجع عنها بسهولة.

ولا ترغب إيران، متسترة وراء كل ما تقوم به من تبجح وما تطلقه من تهديدات، إلا في تحقيق مكاسب إضافية لبرنامجها النووي، حيث كان خامنئي يسعى دائما إلى توسيع قدرات إيران النووية بشكل منتظم ولكن بحذر، من خلال قيام طهران بالتركيز على جعل المجتمع الدولي يتأقلم مع المكاسب التي تحصل عليها بشكل تدريجي، وهو ما يبدو واضحا من خلال قيام إيران اليوم بتخصيب اليورانيوم بشكل مطرد، وهو الأمر الذي كان يعتبر غير مقبول على نطاق واسع في عام 2005. وتقوم إيران في الوقت الحالي بزيادة أنشطتها في مجال التخصيب، كما تقوم بنقل تقنياتها الأكثر حساسية إلى منشأة بالقرب من مدينة قم، حيث إنها أقدر على الصمود أمام أي هجوم عسكري، وقد كان مثل هذا السلوك في السابق بمثابة سلوك استفزازي. وتعمل الجمهورية الإسلامية في الوقت الحالي على تصنيع جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل بسرعة وكفاءة. وبالنظر إلى أن هناك حاجة لعدد محدود فقط من هذه الآلات لتخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم، فإن إيران يمكنها أن تبدأ في تخبئة منشآتها النووية في منشآت صغيرة يصعب اكتشافها. وقد نجحت إيران من خلال زيادة قدراتها بشكل تدريجي، وإن كان لا هوادة فيه، في اختراق الخطوط الحمراء التي وضعها الغرب، مع تجنب ذلك النوع من الأزمات الذي يمكن أن يعرض برنامجها النووي للخطر بشكل مباشر، إن لم يعرض نظامها بأكمله للخطر.

وعلى الرغم من أن إيران لا تزال هي الطرف الأضعف في أي مواجهة لها مع الغرب، فإن أي موقف يتسم بالتوتر الزائد قد يؤدي إلى إثارة صراعات ووقوع حوادث عرضية، حيث إن الطرف الأضعف غالبا ما يكون متهورا وغير مسؤول. ولكن لا ينبغي أن تعطي كل هذه الأمور الانطباع بأن على المجتمع الدولي أن يخفف من الضغط الذي يمارسه على إيران، أو أن يتغاضى عن سلوكها العدواني، ولكنها تشير إلى ضرورة تجنب القيام بأي سلوك من شأنه أن يؤجج الأوضاع المتوترة بالفعل.

وعلى الرغم من أنه من المستحيل معرفة من الذي قتل العالم الإيراني، مصطفي أحمدي روشان، فإن مثل هذه الأفعال تتسبب في وقوع نوع من الهزيمة الذاتية، حيث إنها لا تفعل شيئا يذكر لإبطاء البرنامج النووي الإيراني، بل إنها تقدم للنظام الإيراني الوسيلة لكسر تماسك المجتمع الدولي في مواجهتها. وأفضل وسيلة للحفاظ على هذا التماسك هي التأكيد على أن سلوك إيران سيظل يعد سلوكا خارجا على حدود الشرعية، طالما استمرت طهران في تخصيب اليورانيوم، في تحد لقرارات الأمم المتحدة، وطالما استمرت في تهديدها بتعريض حركة الملاحة البحرية السلمية للخطر. وأي عمل من شأنه أن يصرف الانتباه عن سلوك إيران غير المشروع لا ينجح إلا في عرقلة الجهود الرامية إلى نزع سلاح الجمهورية الإسلامية.

* خدمة «واشنطن بوست»