الربيع العربي والعلاقات العالمية بين المسلمين والغرب

TT

يتفاوض كثير من الناس داخل أوساط رفيعة المستوى، بعد مرور عشر سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المأساوية، على تحديات إعادة صياغة خطاباتهم في اجتماعاتهم، ومؤتمراتهم، وقرارات قياداتهم للتكيّف مع الواقع الذي فرضه عليهم الربيع العربي. فالنشاط المتقد بالحرارة في التاريخ الحديث على مستوى سياسات المنظمات غير الحكومية كان بديلا عما كان لا يحدث في الشوارع. واليوم لا بد أن يكون رد فعل مباشرا لنبض الشوارع أو أن يكون غير مناسب للأبد.

أطلق مركز «غالوب أبوظبي» (ADGC)، منذ أسبوعين، النتائج الأولية لمؤشر «غالوب» في تصورات العلاقات بين المسلمين والغرب (MWPI)، الذي يهدف إلى قياس الوضع الحالي للعلاقات بين المجتمعات ذات الغالبية المسلمة والغرب. وفي الأسبوع نفسه، عقد تحالف الحضارات في الأمم المتحدة منتداه السنوي الرابع في الدوحة بقطر، في مركز قطر الوطني للمؤتمرات، الذي هو بدوره ساحة رمزية لإنجازات أغنى دولة في العالم من حيث دخل الفرد الواحد.

يقيس مؤشر تصورات العلاقات بين المسلمين والغرب كيف ينظر السكان حول العالم إلى العلاقات بين الدول الغربية (وتشمل المسلمين في الغرب) والدول ذات الغالبية المسلمة كأفضلية شخصية، على نطاق الأهمية التي يعلقونها على العلاقة وعلى مستوى الاحترام المتبادل الذي يرونه. وكلما كانت نتيجة مؤشر تصورات العلاقات بين المسلمين والغرب أعلى، كانت وجهات نظر المستجيبين حول العلاقات بين المسلمين والغرب أكثر إيجابية. وكلما كانت النتيجة منخفضة، كانت وجهات نظر المستجيبين أكثر سلبية، حول العلاقات بين المسلمين والغرب.

وتعتبر نتائج إقليمي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والخليج العربي الأعلى في العالم من حيث المؤشر. فكلاهما لديه مستويات مهمة من الارتباطات مع الغرب، عن طريق المساعدة والعلاقات التجارية أو الترتيبات الأمنية الجماعية. وكذلك تؤدي هذه الترتيبات إلى مزيد من الأمن في مستوى الآراء العالية لإيجابية الارتباطات مع الغرب. وهذا ليس مفاجئا في نطاق تعقّب «غالوب» لوجهات نظر المسلمين والغرب.

فمثلا خلال فترة ولاية الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، كان مسلمو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والخليج العربي بين الأعلى على نطاق العالم في موافقتهم على أداء القيادة في الولايات المتحدة الأميركية. كان ذلك في الوقت الذي كانت فيه مساعدات الولايات المتحدة والسياسات تجاه أفريقيا قد أدت إلى إنشاء مشاريع نشطة في القارة، مما ساعد على دفع عدد من المناطق المهمة نحو التطور. فهي تعمل على جعل البيانات تعزز الفرضية بأن أهم عامل في تحديد تصورات «الآخر» هو سياسات الدولة تجاه احتياجات المستجيبين.

كان دور التدين المفرط مركزيا أيضا بالنسبة للحوار المستمر بشأن الحادي عشر من سبتمبر والصراعات العنيفة ووجهات النظر الرائجة في العالم، ضمن الأحاديث الدائرة حول الإسلام والمسلمين. كانت إحدى النتائج الكثيرة المهمة لمؤشر تصورات العلاقات بين المسلمين والغرب أن التدين المفرط هو حافز للمستجيبين للحصول على تصورات أكثر إيجابية عن أهمية العلاقات الجيدة بين المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة والغرب. وبينما يكون المستجيبون في المقابل في مرتبة أعلى حول التدين المفرط، فإنهم يميلون لأن يكون لديهم وجهات نظر أكثر سلبية حول العلاقات بين المسلمين والغرب.

يتفق ذلك من عدة وجوه مع استطلاعات «غالوب» للمجتمعات ذات الغالبية المسلمة بُعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لقد أفاد 7 في المائة من المستجيبين في البلاد ذات الأغلبية المسلمة أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت «مبررة تماما». ولدى إجراء مزيد من التحقيقات، كانت معظم الردود من حيث الأسباب وراء هذه الاعتقادات تتعلق بالأمور السياسية والاجتماعية، وليست الدينية. وعلى العكس من ذلك، فإن الأغلبية العظمى من المستجيبين في البلاد ذات الأغلبية المسلمة قالوا إن الهجمات الإرهابية كانت «غير مبررة على الإطلاق».

مع بداية عملية الانتخابات بعد الثورة في بلاد مثل تونس، ومصر، يبدأ المراقبون في تقبّل الروايات بشأن تصاعد الأطراف شبه المفاجئ للأحزاب المنتسبة للإسلام. ففي تونس، حصد حزب النهضة والسياسيون المنتسبون إليه نتيجة كبيرة عند استحضار موقف معتدل بشأن القضايا الساخنة، كدور الحكومة في حياة المواطنين الشخصية. وفي مصر، لم يربح الإخوان المسلمون وحدهم عدة مقاعد في الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية، بل إن حزب النور من السلفيين حقق أيضا نتائج مهمة حول شعار تطبيق «قوانين الله» في مصر. وفي مثل هذا الجو، يتطلع الكثير في الإقليم المحيط، وفي الغرب، إلى تحليل الأحداث الجارية وإيجاد مناطق للارتباطات مناسبة لتقدّم آرائهم ومصالحهم الخاصة.

هناك عدة طرق يمكن للغرب اتباعها لمساندة تطور الربيع العربي دون التورط في سلسلة من الصراعات والانحيازات الإقليمية التي قد تؤدي فقط إلى سياسات مشوشة وعلاقات ضعيفة.

1) التشجيع على نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع التركيز على دعم تطور الأعمال والمساعدة التقنية التي تؤدي إلى قياس الأعمال الناجحة.

2) الاستثمار في خلق مبادرات وظيفية يكون لها تأثير مباشر على الشباب، التي يمكن أن تكون قابلة للتسلق من قبل ملايين من المتلقين. وقد تكون التكنولوجيا الغربية دافعا بارزا لخلق فرص للعمل في مجال السياحة والصناعات الزراعية، ضمن مجالات أخرى.

3) الاستثمار في تطور القطاع والبنية التحتية التي تتركز على تخفيض «فترة الانتظار» لدى الشباب قبل الدخول في مجال اقتصاداتهم المتتالية، والاندماج ضمن المجتمع عن طريق الوظائف، وامتلاك المنازل، والزواج.

4) تعزيز استقلال وجهود المؤسسات كجامعة الأزهر وغيرها عبر المنطقة، مع التحركات الاجتماعية والثقافية المنتسبة لها لمنح فرص كبيرة لتفهم ذكي وكلاسيكي للإسلام، للازدهار عبر المنطقة. فالكثير في العالم العربي هم ضد تدخل الدول الغربية المباشر، إلا أنهم يتجاهلون جذور تمويل الدول الإقليمية للمنظمات ذات المفهوم المتطرف وغير المتوقع للإسلام، وهو مفهوم يؤدي إلى تغيير العالم العربي، وذلك بحظر تقدّم قيم وأهداف الربيع العربي. وفي حين يستمر المحللون في مراقبة الأوضاع وتقلب التفكير الجماعي في الدوائر السياسية عالميا، فإن الذين شملهم الاستطلاع يستمرون في نظر أحدهم للآخر عبر سلسة من المناشير، فمثلا يشير مؤشر تصورات العلاقات بين المسلمين والغرب إلى أن المجتمعات ذات الغالبية المسلمة يدركون أن الغرب سوف يحترمهم على مستويات أعلى من الكثير من الدول الغربية الذين يقولون إنهم يحترمون المجتمعات ذات الغالبية المسلمة. وثمة نتيجة أخرى مهمة، وهي أن الأميركيين اليهود أكثر احتمالا من المسلمين الأميركيين للقول إن المسلمين الأميركيين يواجهون الخطر والتمييز يوميا في الولايات المتحدة. وفي حين تتحول هذه التصورات ويتحرك العالم منذ الحادي عشر من سبتمبر، تتغير وجهات النظر على الشوارع وفي مجالس الإدارة. وتشير البيانات إلى وجود فسحة كبيرة للمشاركات الإيجابية ذات المنفعة المتبادلة، وتحديد الحاجة لاتباع مسارات النمو التي تؤدي إلى الحقائق الاجتماعية والاقتصادية المستمرة.

* محلل اقتصادي في مركز «غالوب» بأبوظبي