عبقرية الكاتب الخيبان

TT

كان وما زال إخواننا من أهل مصر يتندرون على سذاجة ذلك التاجر الصعيدي الطيب الذي استطاع رجل فهلوي أن يبيعه (ترام) الحكومة.

غير أن هناك فهلويا أوروبيا استطاع أن يسبق الفهلوي المصري، وباع برج (إيفل) الباريسي بكامله إلى تاجر فرنسي متعلم.

وذلك الفهلوي هو: (الكونت فيكتور لايشغ)، وهو على حد وصفهم له: كان يتمتع بحصانة عجيبة ضد القانون، ومع أنه اعتقل 46 مرة، فإن العدالة لم تستطع أن تدينه مرة واحدة، فهو يعمل وكأنه ساحر مغناطيس يسلب أموال ضحاياه دون شفقة أو رحمة.

وقد استغل تعليقا قصيرا في إحدى الصحف عام 1920، ينتقد الإصلاحات المطلوبة للبرج، الذي يتكلف آلاف الفرنكات سنويا، وأنه أجدى للحكومة أن تفكك البرج وتبيعه كخردة من أن تصونه.

ووجد أن الصحيفة قد وفرت عليه مجهودا شاقا، فما كان منه إلا أن يزيف أوراق اعتماد حكومية، وبعض خطابات مطبوع عليها اسم البرج، مع خطاب بتوقيع مزيف لنائب المدير العام للبرج يدعو فيه من يريد أن يدخل في المزايدة، وبعث به لخمسة من كبار رجال الأعمال الذين يتاجرون بالحديد.

وحجز لنفسه جناحا في أوتيل (كربون)، وفي اليوم المحدد قدم له التجار عطاءاتهم في صالة الاجتماعات بالأوتيل، ورسا البيع على أحدهم، وقبض (لايشغ) المبلغ منه مقدما، وفي اليوم الثاني انطلق بالقطار ولم يرده غير (فيينا) في النمسا.

وذهب التاجر المسكين بمعداته لتفكيك البرج فتصدى له البوليس، وقدم لهم بكل ثقة أوراقه ومستنداته التي تثبت لهم فعلا أنه قد اشترى البرج، فأخذوا يضحكون عليه، عندها اكتشف الخدعة التي وقع فيها.

وبحكم أنني أحاول بقدر ما أستطيع أن أدعم الروايات التي أقدمها لكم ببعض تجاربي الفاشلة في أغلب الأحيان، فلا بد أن أذكر لكم أنني في أواسط السبعينات الميلادية قد وقعت بين براثن (سمسار) عقاري، أغراني بشراء قطعة أرض مساحتها (500 متر مربع)، وعندما ذهبت معه لكي يريني إياها، إذا به يقودني ويقف معي أمام الشاطئ ويشير بإصبعه للبحر قائلا: إنها هناك.

لا تؤاخذوني إذا ذكرت لكم أنني كدت «أتف» بوجهه، ولكنني ضبطت أعصابي وقلت له وأنا أضحك بمرارة: ما شاء الله عليك تريد أن تبيعني موية البحر، ليه انت فاكرني صعيدي تريد أن تبيع له التروماي؟ وتركته دون أن أودعه.

وما هي إلا سنة ونصف السنة حتى ردمت البلدية مياه البحر الضحلة، وظهر مخطط جديد يحتوي على جميع المرافق والخدمات، وأصبح اسمه اليوم حي (الحمراء)، وهو أرقى أحياء مدينة جدة.

وذهبت راكضا للسمسار قائلا له: إنني آسف.. أريد شراء الأرض. فقهقه الآن هو بوجهي ببرود قائلا: يا حليلك كان غيرك أشطر، لقد طارت الطيور بأرزاقها يا وليدي، والأرض التي عرضتها عليك بأبخس الأثمان اشتراها رجل عاقل وليس (قرقعانة)، وسعرها الآن تضاعف ثلاث مرات.

والآن كلما مررت على موقع الأرض التي شيدت عليها عمارة من ثمانية أدوار أغمض عيني ولا أفتحها إلا بعد أن أتجاوزها.

وهذه الحادثة إن كانت تدل على شيء، فإنما هي تدل على بعض من عبقرياتي الفجة.

[email protected]