ليس هناك تناقض

TT

لا أختلف كثيرا مع رؤية الأستاذ يوسف الديني في فهم إشكالية الحركة الإسلامية السياسية إلا عندما يستخدمها للتدليل على تناقضي، لأنه يقص أسطرا من مقالة يومية ويلصقها مع أسطر في شهر آخر تعالج حالات طارئة أو خارج سياقها. قصَّ هذه الجملة «قد نكون حقا أخطأنا في فهم هؤلاء الأصوليين الذين حرموا من الحكم بحجة التطرف، وقد يكونون مجرد ثعالب سياسة». إنها «قد أو قد»، تساؤل احتمالات إجابته متروكة للتاريخ، وسبقته جملة لم تقص تقول «إننا في عصر جديد مليء بالكلام، ولا ندري صحة ما يقال من كذبه حتى يمتحن على أرض الواقع». أي لم أبدل رأيي في حقهم في المشاركة، رغم التجارب السيئة للإسلاميين في إيران وغزة والسودان، وسأنتظر النتيجة في مصر وتونس.

والمتوقع من الكاتب ألا يجزم عند وقوع الأحداث وليس له إلا استقراء الاحتمالات، وتساءلت - مثل غيري - إن كان ورثة النظامين المصري والتونسي أهلا للمهمة تاركا الحكم للمستقبل.

الجانب الأكثر تعقيدا في حديث الأخ يوسف، تناوله آرائي حيال المغرب والأردن والخليج، والبحرين تحديدا. أظن أنه لا يتفق معي في إطراء توجه العاهل المغربي وإصلاحاته، بما في ذلك توسيع دائرة المشاركة، خاصة تعليلي لها بأنها إصلاحات أقل ثمنا سياسيا وماليا. في الحقيقة للمغرب تجربته وللربيع العربي تأثيراته التي سرعت ووسعت النتائج. تجربة الملك في الحقيقة هي امتداد لتجربة والده الحسن الثاني الذي واجه من قبل خطر ثورات الشيوعيين واليسار في الجوار، في الستينات، بإشراكهم في مجتمعه السياسي بدلا من تركهم يتمردون عليه. كانت حكومته تدفع حتى ثمن الورق الذي تطبع عليه صحفهم! وعندما صار التخصيص، لا التأميم، هو المطلب عكس التوجه وائتمن زعيم الحزب الاشتراكي المعارض على تنفيذها. الملك الحالي وولي عهده ظهرا في صورة مبتسمين مع المعارض الإسلامي السابق عبد الإله بنكيران وأعضاء حكومته الجديدة، التي توزعت كراسيها بالتراضي مع القصر، ووصفها أحد النشطاء المعارضين، «هذه الحكومة تزكية لعدم المساءلة وربط السلطة بالمحاسبة، وتعيين 6 وزارات سيادة هو دليل على أن جزءا من الحكومة سقط قسرا من القصر ولن يحاسبهم أحد ولن يعاقبهم الناخبون».

إرضاء الناخبين مهمة كل الحكومات في العالم، بما فيها البلدان التي لا انتخابات فيها. كلهم يغرون الناس ببرامج ووعود لتحسين المعيشة. وبالتالي الحلوى المالية وزيادة المرتبات ليست عيبا إلا أنه لا يوجد ما يكفي منها، حتى لو وزعت أموال البنك المركزي الألماني فلن تكفي لإشباع مطالب الناس المالية والمعيشية في الخليج أو أي شعب آخر. لهذا ستجد كل دولة، بما فيها فاحشة الثراء وقليلة السكان مثل قطر، أنها محتاجة إلى مشروع سياسي. المال ليس حلا سياسيا إلا بمقدار علاج لمرض مؤقت كالإنفلونزا، أما الأمراض الصعبة فإن كل نظام ذكي يفتش عن علاجات مناسبة لها. والدعم المالي يخلق لاحقا مشاكل أكبر، خاصة ونحن أمام ثلاثة أرباع السكان من فئة الشباب وأصغر.

في نفس المربع الخليجي استنكر عليّ الأستاذ يوسف تناقضاتي، كما وصفها، حيال البحرين، أن أزعم أن مطالب المعارضة بتحريض إيراني طائفي من جهة، ثم أطالب الحكومة بالاستجابة للإصلاحات التي تدعو لها نفس المعارضة. وأنا لا أجد تناقضا، فإيران تريد تأجيج الشارع الشيعي البحريني لأغراضها. لكن بين المعارضة الشيعية فئات وطنية مع النظام تريد إصلاحات داخلية، أمر يقره كبار المسؤولين أنفسهم. ولا يمكن قطع الطريق على إيران بمعاقبة شيعة البحرين، وبالتأكيد لا يمكن لك أن توافق الحكومة على طردها لاعبي كرة قدم وموظفي شركات بسبب آرائهم السياسية. هؤلاء مواطنون وليسوا طارئين مهما بلغ الاختلاف معهم. ومن الخطأ توصيف الخلافات طائفيا لأن الضرس الموجع في كل الدول الخليجية، باستثناء البحرين، هم في الواقع سنة.

أخيرا، من حق الأخ يوسف أن يقول إن جمع الدول في سلة واحدة وتحت عنوان الثورات العربية فيه مبالغة. علميا، هذا صحيح، لكن ليس خطأ دراسة تأثيرات الحدث الكبير على خط عرض مترابط. سقوط الاتحاد السوفياتي أثر على كل فلكه. وليس مبالغة الحديث عن ارتجاجات الزلزال في كل المنطقة التي أصابت الجميع، على مقياس من واحد إلى عشرة. الأخ يوسف ربما لم يشعر بشيء أبدا لهذا ضج من مقالاتي وثار، وقد يكون كما قال إنني تأثرت بتأثير غرفة الأخبار التلفزيونية الصاخبة وصرت أكتب على موسيقاها العسكرية. ربما، من يدري؟

[email protected]