دروس برتغالية لدور تركيا في الربيع العربي

TT

في يوم 25 أبريل (نيسان) عام 1974، هزت «ثورة القرنفل» عرش الديكتاتورية البرتغالية المتأصلة منذ 48 عاما. قامت مجموعة من ضباط الجيش، ترافقهم حشود الجماهير وحركة شيوعية سرية، بثورة ضد النظام. ومن المدهش أن النظام الديكتاتوري انهار كبناء هش.

وجدت البرتغال، التي كانت ترزح في تلك الفترة تحت وطأة الفقر والأمية والاستبداد، نفسها في مفترق طرق: الحكم العسكري، أو سطوة الشيوعيين. لكن لم يتحقق أي من الأمرين. فبفضل القصة التي نادرا ما تروى عن جهود حكومة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالأحزاب السياسية في ألمانيا لتشكيل قوى ذات اتجاه وسطي في لشبونة، حدث ما لم يكن متوقعا: أصبحت البرتغال ديمقراطية.

تحاكي البرتغال في فترة السبعينات من القرن العشرين انتفاضة الربيع العربي التي نشهدها اليوم؛ فالدول العربية، التي تعاني بالمثل من الفقر وغياب الديمقراطية، تقف أيضا عند مفترق طرق، في مواجهة الاختيار بين الحكم العسكري أو سيطرة تيار غير ليبرالي (في هذه الحالة، تيار إسلامي متطرف).

في سبعينات القرن العشرين، تمتع الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا، أول حكومة ديمقراطية اجتماعية منتخبة في بون، بالقدرة على دعم ديمقراطية اجتماعية كبديل مشروع للشيوعية في لشبونة. ومن الممكن أن تلعب تركيا دورا مماثلا في الشرق الأوسط اليوم، إذا ما دعم حزب العدالة والتنمية، أول حزب ذي مرجعية إسلامية وتم انتخابه من خلال عملية ديمقراطية، بدائل للأحزاب الإسلامية المتطرفة.

في عام 1974، افتقرت البرتغال إلى تحولات ديمقراطية عميقة وطبقة وسطى كبيرة لنيل مكاسب الثورة، فيما بدا الجيش، الذي تولى السلطة بعد سقوط النظام الديكتاتوري، ضائعا. بدا الموقف كئيبا. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بعد بضع سنوات، ظهرت البرتغال كديمقراطية، وانضمت لاحقا للاتحاد الأوروبي. وتعتبر الآن واحدة من أكثر الديمقراطيات ليبرالية في العالم.

ولدعم هذه الديمقراطية، أنشأت الحكومة الألمانية مركزا سياسيا في البرتغال: وساهم الحزب الديمقراطي الاجتماعي بالفعل في تشكيل الحزب الاشتراكي البرتغالي، وهو عبارة عن حركة اجتماعية ديمقراطية طالبت بإرساء الديمقراطية في البرتغال وإفشال محاولات الشيوعيين الرامية إلى الاستحواذ على مقاليد السلطة، في باد مونستيريفيل بألمانيا.

إضافة إلى ذلك، فقد أخذت ألمانيا زمام مبادرة تنظيم «لجنة دعم الصداقة للديمقراطية والاشتراكية البرتغالية» في أغسطس (آب) 1975. وضمت اللجنة التي ترأسها المستشار الألماني ويلي براندت، ديمقراطيين اجتماعيين أوروبيين بارزين؛ من بينهم رئيس الوزراء السويدي، أولوف بالم، والمستشار النمساوي برونو كرايسكي، وأصبحت منبرا يتشارك فيه الديمقراطيون الاجتماعيون المعلومات مع الحزب الاشتراكي البرتغالي ووضعت سياسات لتحقيق تحول ديمقراطي ناجح. كما وضعت اللجنة قاعدة الأساس لعضوية البرتغال في الاتحاد الأوروبي.

كذلك لعبت المنظمات غير الحكومية الألمانية دورا مهما. وقدمت مؤسسة «فريدريك إيبرت ستيفتنغ» التابعة للحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني دعما ماليا للحزب الاشتراكي البرتغالي. ومنحت المؤسسة وحدها مبلغا تتراوح قيمته بين 10 و15 مليون مارك ألماني للتدريب على تنظيم الحملات وتمويل سفريات قادة الحزب الاشتراكي البرتغالي، مستخدمة حسابات البنك السويسري المنفصلة في تسهيل المبادلات النقدية. وأنشأت المنظمات غير الحكومية المرتبطة بأحزاب ألمانية ليبرالية ومحافظة مؤسسات مناظرة في البرتغال بالمثل.

واليوم، يمكن أن تلعب تركيا دور ألمانيا داخل الدول العربية؛ أولا، يجب أن تسطع أنقرة كمثال للديمقراطية الليبرالية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يحتاج الأتراك إلى استغلال الجدل المثار حول صياغة دستور جديد في وضع ميثاق ليبرالي نموذجي.

حتى ذلك الوقت، تحتاج أنقرة إلى مساعدة كي تلعب دور ألمانيا. مثلما حصلت بون على دعم مالي وسياسي من الولايات المتحدة وديمقراطيات أخرى لبناء ديمقراطية برتغالية، ستستفيد تركيا من حصولها على دعم من الغرب، إضافة إلى ديمقراطيات أخرى غالبية أفراد شعبها مسلمون، مثل إندونيسيا، خاصة في إنشاء «منظمات غير حكومية تركية»، الجزء المفتقد لدى تركيا.

دعونا لا ننس القوة الناعمة للاتحاد الأوروبي في دعم الديمقراطية الليبرالية في البرتغال؛ واليوم، مع عدم توفر مثل هذه القوة للعالم العربي، هل يمكن أن تلعب تركيا دورا في تشكيلها؟

سيكون الطريق صعبا: في الوقت الذي رحب فيه كثير من البرتغاليين بالألمان، سمعت من عرب من جميع المشارب السياسية في آخر اجتماع عقد بمنتدى «أبانت» حول انتفاضة الربيع العربي في تركيا أن «العرب لن يثنوا على التدخل المباشر لحاكمهم المستبد السابق».

إن جهود أنقرة للعب دور ألمانيا في العالم العربي يجب أن تكون شديدة الاعتدال، ويجب عدم أخذ نجاحها على أنه أمر بديهي مسلم به. لكن ربما ما زال الأمر جديرا بالمحاولة. تشير «ثورة القرنفل» إلى أن الديمقراطية يمكن أن تتأصل في أكثر المواضع غير المتوقعة، إذا توفر الدعم الخارجي اللازم.

*بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية