هل استعد العرب لسلاح الحرب الجديد؟

TT

تخيل هذا السيناريو. هجوم يشل الدوائر الحكومية الحساسة وأنظمة الدفاع وشبكات الكهرباء، ويعطل المصارف وخدمات الإنترنت والهاتف الجوال وشبكات البنى التحتية. فجأة تتعطل عجلة الحياة اليومية ومعظم الخدمات، لا ماكينات صرافة تعمل، ولا جوالات.. الإنترنت معطلة وكذلك شبكة الكهرباء، وكثير من الخدمات تتوقف كليا أو تضطرب.

مثل هذا الهجوم يمكن أن يشل أي دولة ويربك عجلة الحياة فيها لساعات أو لأيام، قبل أن تتمكن السلطات من استعادة زمام الأمور إذا كانت لديها خطط جاهزة للتعامل مع مثل هذا الخطر. أما مصدر الهجوم فقد لا يعرف إلا بعد مرور بعض الوقت، لأن المهاجم لم يعلن هويته، كما أن العملية نفذت من غير إطلاق رصاصة واحدة أو صاروخ.

إذا كنت تعتقد أن هذا السيناريو من قصص الخيال العلمي، فالأفضل أن تعيد التفكير لأن شيئا من هذه الحروب بدأ يحدث في منطقتنا وفي أنحاء أخرى من العالم. كما أن العديد من الدول بدأت تكثف من استعداداتها لمواجهة هذا الخطر المحتمل، بتجنيد وحدات خاصة، وبتخصيص بنود في ميزانياتها الدفاعية والاستخباراتية لتطوير أسلحة مضادة للحماية والردع.

قبل أيام كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن الجيش الإسرائيلي جند نحو ثلاثمائة من خبراء الكومبيوتر سينضمون إلى مجندين آخرين للعمل في قسم مسؤول عن الحرب الإلكترونية تابع للاستخبارات العسكرية بهدف حماية وتشفير شبكات الجيش والاستخبارات ضد أي هجوم إلكتروني سواء كان مصدره دول أو منظمات أو حتى أفراد. كما سيكون من ضمن مهام هذا القسم حماية شبكات الكهرباء والمياه والهاتف والخدمات الأساسية الأخرى.

وكانت إسرائيل قد أعلنت أيضا مؤخرا عن بدء عمل مركز قيادة جديد لتنسيق العمل بين مختلف الهيئات العسكرية والصناعية الكبرى للحماية من أي هجمات إلكترونية، وهو المركز الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد كشف عن أولى خطوات إنشائه في مايو (أيار) الماضي مؤكدا أن ميزانية كبيرة ستخصص له لأن إسرائيل، على حد تعبيره، «ستتصدى لخطر أي هجمات إلكترونية مستقبلية».

هذه الخطوات التي تكشف عن قلق جديد لا تنبع من فراغ لأن إسرائيل ذاتها شاركت في شن هجمات إلكترونية بحسب رأي عدد من الخبراء، من بينها الهجوم الفيروسي بدودة «ستكسنت» على مركز نووي إيراني في يونيو (حزيران) 2010، والذي أعتبر أكبر هجوم إلكتروني من نوعه، وأدى إلى تعطيل برامج تشغيل الكومبيوترات في المنشأة الإيرانية، وشلها لفترة قبل أن تتعرف طهران على الدودة وتتخلص من الأجهزة المخترقة. ولا يعرف حتى اليوم حجم الخراب الذي أحدثه ذلك الهجوم الإلكتروني الذي لم تتبن مسؤوليته أي جهة، لكن العديد من الخبراء يعتقدون أن أميركا وإسرائيل وربما ألمانيا أيضا شاركت في تطوير دودة «ستكسنت»، التي استخدمت لتعطيل أو إبطاء برنامج إيران النووي.

كذلك فإن القلق الإسرائيلي مرده معلومات نشرت مؤخرا عن أن إيران بدأت العمل لتعزيز جهودها الدفاعية والهجومية في مجال الحرب الإلكترونية، وذلك بعد هجوم «ستكسنت» الذي تعرضت له، ولا يعتقد أنه كان الوحيد من نوعه منذ ذلك التاريخ، خصوصا في ظل تصعيد الحرب السرية لشل برنامجها النووي سواء بالهجمات الإلكترونية، أو باغتيال العلماء وتفجير بعض المنشآت.

اللافت أنه عندما أعلنت إدارة أوباما هذا الشهر عن الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة، سلطت الأضواء على مسألة تخفيض أعداد القوات المسلحة، والتخلي عن مفهوم الاستعداد لخوض حربين متزامنتين، مع التركيز على آسيا خصوصا الصين وإيران وكوريا الشمالية. هذه بالتأكيد كانت أركانا أساسية في الاستراتيجية الجديدة التي تهدف لخفض نحو 500 مليار دولار من ميزانية الدفاع، لكن هناك جانبا آخر في هذه الاستراتيجية لم يحظ بتغطية إعلامية كبيرة، يركز على أساليب حروب المستقبل، وشن الهجمات من بعد باستخدام الطائرات من دون طيار، وقدرات التشويش الإلكتروني، والحرب الإلكترونية، وهي جوانب لا تعتمد على التعداد الكبير للقوات، بل على نوعية قدراتها خصوصا في المجالات الإلكترونية والتقنية التي ستشكل عماد حروب المستقبل. فأميركا تدرك أن الصين قطعت شوطا بعيدا في مجال الحرب الإلكترونية، وهناك عشرات التقارير التي تعتبر بكين مسؤولة عن سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت مواقع ودولا غربية.

في منتصف العام الماضي مثلا نشر تقرير عن أن عدة استخبارات غربية تشتبه في أن الصين وراء هجوم إلكتروني حاول فيه «قراصنة» مجهولون السطو على المعلومات السرية للدخول إلى البريد الإلكتروني لمئات من كبار المسؤولين الحكوميين الأميركيين والكوريين الجنوبيين الذين لديهم حسابات في البريد الإلكتروني لـ«غوغل» (جي ميل). ورغم أن الحكومة الصينية نفت ضلوعها في أي هجمات إلكترونية على دول أخرى، فإن شركة «غوغل» أعلنت أن مصدر القرصنة على البريد الإلكتروني هو مدينة جينان عاصمة إقليم شاندونغ الصيني الشرقي، وأكدت أنها رصدت الهجوم ومنعته. أما أهمية مدينة جينان هذه فيعود إلى أنها وردت في تقرير أعدته لجنة تابعة للكونغرس الأميركي باعتبار أن فيها أحد مراكز الاستطلاع الفني التي تشرف على عمليات التجسس الإلكتروني الصيني.

الحرب الإلكترونية أصبحت واقعا منذ زمن من خلال أساليب التشويش الإلكتروني، والتنصت على الهواتف، واعتراض البريد الإلكتروني، لكنها اليوم تكتسب أبعادا وقدرات جديدة مع الاعتماد المتزايد على الكومبيوتر والإنترنت في مختلف جوانب الحياة، وفي مختلف الأنشطة والوسائل الاقتصادية والمصرفية والعسكرية. وحسب قول عدد من الخبراء في المؤتمر العالمي حول أمن الفضاء الإلكتروني الذي نظم في لندن العام الماضي فإن هناك سباقا محموما يجري لتطوير قدرات الحرب الإلكترونية، وإن هناك دولا بات بمقدورها شن هجمات مدمرة من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.

ترى أين يقف العالم العربي من هذه المعمعة، وهل هناك استعدادات وخطط لمواجهة هذا الخطر الجديد الزاحف؟

[email protected]