الإخوان.. من الدين إلى الاقتصاد

TT

قبل الانتخابات يجوز بيع الأحلام والأوهام للناخبين، لكن بعدها تحاسب الأقوال قبل الأفعال. الدكتور محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية وأمين التثقيف في حزب الإخوان، حزب الحرية والعدالة، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية في مصر، تعهد بأن يجعل اقتصاد مصر أفضل من اقتصادي تركيا وماليزيا.

طبعا ليس ذلك بمستحيل، فمصر قادرة، وفشلها الاقتصادي لا يلام عليه سوى القيادة السياسية، قيادة نظام مبارك في عهود مبارك الماضية، ثلاثين سنة من الفشل الإداري. لكن المقلق أن الدكتور جودة، وهو أحد العقول الاقتصادية في الحزب الحاكم الجديد، يفصح عن تفكير غير واقعي، أحاديث مقاهٍ، ربما!

مثلا، يقول إنه يمكن أن يزيد دخل قناة السويس إلى مائة مليار دولار في السنة. كيف؟ إذا علمنا أن دخل القناة السنوي هو نحو خمسة مليارات في العام الواحد، وهي رسوم على السفن العابرة، أي أنه يعتقد أنه سيجمع رسوم عشرين سنة في عام واحد!

ومن آماله أيضا تحويل الصحارى إلى واحات بزراعة أكثر من ثلاثة ملايين فدان في الساحل الشمالي وسيناء، وسيكتشف - كما اكتشفت حكومة مبارك في محاولتها زراعة واحة توشكي - أن مردودها ضعيف وتكاليفها ضخمة دون استثمارات متكاملة طويلة الأمد.

وتحدث عن نية الحزب التوجه نحو الاقتصاد المعرفي، كما فعلت الهند، ومصر خلال العقد الماضي تميزت بإجادتها في مبادرات فردية في هذا الجانب، لكن تطويرها يعني أن على النظام الجديد أن يعيد بناء النظام التعليمي إن كان يريد تغيير المعادلة الاقتصادية، وعليه أن يستمع للدكتور أحمد زويل الذي له رأي قوي في هذا المجال.

وتحدث عن رفع مداخيل الدولة من جبي الزكاة، أو الضرائب، وسيكتشف لاحقا أنه باقتصاد ضعيف لن يجبي إلا القليل. والحديث عن الرسوم والضرائب والزكاة كموارد قومية، يعبر عن عجز عن التنمية والاتكال على موارد الناس والاقتصاد البسيطة. وعرض بعض الأفكار الجيدة لكنها تناسب الدول التي تملك موارد كبيرة، لا حكومة ورثت اقتصادا فقيرا، فمد الغاز الطبيعي إلى البيوت ليحل محل البوتاغاز فكرة تأتي بعد أن تتمكن الدولة من جمع الموارد الإضافية من بيع الغاز أولا للخارج لجلب العملة الصعبة.

ومع أنني قرأت كل ما نسب إلى الدكتور محمد جودة، وهو من العقول الاقتصادية في حزب الإخوان، حول تطوير البلاد، وجدتها في معظمها أفكارا عامة وردية لا تتفق مع حقائق الواقع المصري القاسية. كل ما تحدث عنه يتطلب رؤوس أموال ضخمة وهي لا تأتي إلا باقتراض مكلف على خزينة الدولة، هذا إذا وجدت الدول أو الصناديق الدولية المستعدة لتقديم الأموال المطلوبة في زمن شحت فيه الأموال بسبب الكوارث الاقتصادية التي لا تزال تضرب العالم الصناعي والفقير أيضا.

إذا كان الإخوان راغبين حقا في تغيير الوضع البائس الموروث، عليهم أن يكونوا أكثر شجاعة ممن سبقوهم، بتبني سياسة صارمة لمعادلة ذات أهداف محددة وطويلة المدى. لم أسمع شيئا عن المأساة الأولى التي تنهش مقدرات البلاد، وهي لا تقل أهمية عن محاربة الفساد. التضخم السكاني سبب أول للفقر والفشل الاقتصادي، وقد جربت حكومة مبارك مرة واحدة طرحه ثم تراجعت خشية غضبة الناس. الهند والصين، البلدان اللذان استشهد بهما الدكتور جودة اعتمدا أولا سياسة الحد من النسل، بدونها ستزداد مصر فقرا وقلاقل وستعجز أي حكومة عن النجاح. من تطوير التعليم وتمكين الشباب والحد من النسل ومحاربة الفساد إلى بناء سمعة سياسية تجعل الدول تثق في حكمة حكومة الإخوان وتقدم لها المساعدة، يمكن أن تنجح في ما فشلت فيه حكومات مبارك السابقة. دون ذلك ستتخبط وسيضج الناس ويبكون على الأيام الخوالي رغم فقرها وسوء إدارتها.

[email protected]