إيران والخليج: صراع السياسة والنفط

TT

طبيعة العلاقات بين إيران الثورة والخليج هي طبيعة صراعية، على الأقل من جانب إيران التي تزيد على الصراع تلك العدائية التي تتسم بها سياساتها تجاه دول الخليج.

كانت إيران الثورة تسعى، منذ البدء، لتصدير ثورتها بالطريقة العنيفة والمباشرة لهذا المعنى، ثم التفّت عليه لاحقا بتغيير الأساليب والطرق والوسائل، وعلى الرغم من كل الخيبات التي نالتها تجاه مبدأ تصدير الثورة في صورته الأولى فإنها لم تتركه، بل استمرت فيه، لكن ليس عبر الحرب المباشرة كما جرى مع العراق في الثمانينات، بل عبر تحريك الجماعات والأحزاب والأقليات، وتلك قصة معروفة.

مبدأ آخر غير مبدأ «تصدير الثورة» لم تزل إيران تتبعه منذ أمد، وهو مبدأ «تصدير الأزمة»، إنها في غالب أزماتها التي تنبع من سياساتها الفاشلة داخليا أو الخاطئة خارجيا تسعى مباشرة إلى افتعال أزمة إقليمية أو دولية، إما لتنفيس الاحتقان وإما للضغط على بعض الفرقاء السياسيين في الداخل، وإما لمناصرة حليف هنا أو نصير هناك، وإما لمناكفة الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، في هذه القضية العالقة أو تلك.

شهدت الفترة الماضية تصاعدا للضغوط على إيران، العقوبات الاقتصادية بدأت تؤتي أُكلها على نظام الثورة الإسلامية، والعقوبات تجاه البنك المركزي الإيراني، التي بدأتها أميركا ويتجه لها الاتحاد الأوروبي الاثنين المقبل، تزيد الأمر صعوبة على صانع القرار في إيران، والتهديد بفرض عقوبات نفطية يكاد يطبق الخناق على ما تبقى من اقتصادها الآخذ في التضعضع؛ حيث «فقدت العملة الإيرانية 40% من قيمتها ووصلت إلى أدنى مستوى لها في السوق السوداء» («الشرق الأوسط» - الخميس الماضي 19 يناير - كانون الثاني).

ثم إن إيران، وإن ابتلعت العراق سياسيا في السنوات الأخيرة تحت عين الأميركيين وبصرهم، فإنها اليوم تشهد واحدا من أكبر التحديات في تاريخ سياساتها في المنطقة، المتمثل في الإمكانية القوية لسقوط تابعها الأكبر في المنطقة، النظام الأسدي في سوريا.

الجدير بالاستحضار هنا هو أن إيران حين تفشل داخليا وحين تخطئ في سياساتها خارجيا تبدأ بالتلويح بسلاح قطع واردات النفط من الخليج عبر مضيق هرمز، وهي لا تفكر أبدا حين تطلق هذه المواقف والتصريحات في دول الخليج العربي كدول جارة، ولا تفكر مطلقا في أن هذه التصريحات تضر بمصالح هذه الدول وتمثل اعتداء على سيادتها وعماد اقتصاداتها.

في منتصف الثمانينات وفي خضم الحرب العراقية - الإيرانية، وتحديدا عام 1986، أثارت إيران شغبا كبيرا مع السعودية تجاه السياسات النفطية وهددت البواخر السعودية، وقد قال الملك السعودي - حينها - فهد بن عبد العزيز مخاطبا وزيرا سوريا وسيطا بين السعودية وإيران: إن «إيران تريد من تحسين العلاقات أن يكون ذلك مشروطا بالخضوع والرضوخ لإرادتها وهذا شيء غير مقبول لأي شعب حر«وأضاف «إن مادة البترول لا تخص شعوبنا فحسب بل تخص الصديق والعدو«وأخيرا وتجاه سياسات إيران العدائية في ذلك الوقت قال الملك فهد: «إيران لا تستفيد من خنق السعودية، وأقول خنق لأن البترول حياتنا، لدينا إمكانات بحرية جيدة وقوة جوية متفوقة بالظروف الحالية على إيران، وعندما يحاول أحد خنق الآخر فماذا سيفعل؟«(التحالف السوري الإيراني والمنطقة ص 103).

إن تلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز هو أشبه بإعلان حرب على دول الخليج العربي، وهذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه محاولات إيران «خنقها«فلدى هذه الدول الكثير مما يمكنها فعله لضمان حماية مصالحها تجاه مثل هذه التهديدات الإيرانية العدائية، وعلى سبيل المثال فقوة هذه الدول الاقتصادية وفوائض ميزانياتها الكبير يجعلها في موقع أقوى فيما لو أرادت ملاعبة إيران في موضوع النفط تحديدا، فليست المسألة في العقوبات النفطية الدولية فحسب بل في سعر البرميل كذلك، وهذه الدول لديها قدرة أكبر بكثير من قدرة إيران على التحكم بسعر البرميل عالميا ولو اقتنعت هذه الدول بأن مصلحتها في سعر أقل من السعر الحالي بما يعادل النصف أو أكثر قليلا فسيكون في هذا ضربة قاصمة لإيران. فهل ستعتبر إيران خطوة كهذه خطوة عدائية وهي التي تهدد بإغلاق مضيق هرمز ومنع مرور نقطة نفط واحدة حسب تعبيرات صقورها العسكريين والسياسيين!

هذه مجرد فكرة صغيرة لما يمكن لدول الخليج أن تفعله تجاه الصلف الإيراني المستمر والمتواصل تجاهها، ويبقى سلاحها الأقوى كامنا في سياساتها المتعقلة والمتأنية في مواجهة إيران والتي لطالما آتت نتائج إيجابية في مسارها العام.

ليس من شأن هذا السياق التقليل من الدهاء السياسي الإيراني فهذا موضوع آخر، غير أن ما يمكن رصده هو أن إيران حين تكسب تتبجح وحين تخسر تمارس الاستفزاز وخطابها السياسي في الحالتين مليء بالشعارات الآيديولوجية والعنتريات الثورية.

تبدو القضية السورية واحدا من أقوى محركات السياسات الإيرانية في المنطقة منذ مارس الماضي، فمع استمرار احتجاجات الشعب السوري في المدن والأرياف والشوارع، ومع العقوبات الدولية ضد نظام الأسد، ومع تخوف الدول العربية وتركيا من أن استمرار عنف النظام قد يجر البلاد لحرب أهلية قد لا يقتصر ضررها على الداخل السوري، فإن القناعة تزداد لدى الجميع بضرورة زوال هذا النظام وأن تشق سوريا طريقا جديدا.

لم يبق مع النظام الأسدي سوى روسيا وهي الأكثر حماسة واندفاعا للدفاع عنه في مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والصين المتحفظة وإيران. إيران في ظل الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها عاجزة عن إنقاذه إلا بافتعال أزمات أخرى في المنطقة كأزمة مضيق هرمز، أو إرسال السلاح وتدريب عناصر النظام على وسائل قمع الشعب لخبرتها الطويلة في ذلك، والصين تهمها مصالحها أكثر من نظام الأسد، أما روسيا فالسؤال هو هل ستذهب بعيدا في دعم نظام الأسد في حال تصاعدت المؤشرات على سقوطه؟ أم أنها ستعيد النظر في سياساتها تجاهه وفقا لمصالحها وللمستجدات على الأرض؟

إن عداء إيران للسعودية والخليج سافر وهو أشد من عداء إسرائيل لهذه الدول، ويجب على من غرتهم شعارات المقاومة وخدعتهم أبواق المقاومة من الخليجيين والعرب حينا من الدهر أن يعيدوا النظر في مواقفهم ويتبصروا مواقع أقدامهم.