جهاد القرصنة الإلكترونية

TT

ظهرت صيحات تنادي بإعلان الجهاد على إسرائيل. هذه المرة هو جهاد إلكتروني، أي إن المجاهدين ليسوا جيوشا مدربة ولا يحملون أسلحة دفاع متطورة من سلالة ديناميت نوبل، ولا خططا عسكرية موضوعة من جنرالات عسكرية، والهدف قطعا ليس أرض العدو، إنه جهاد إلكتروني، أبطاله ليس لهم سن نظامية؛ قد يكونون مجموعة مراهقين في مقهى للإنترنت أو كهول في جلسة فراغ، ولا يتطلب انخراطهم في عملية الجهاد أي شروط سوى قدراتهم الفردية على اختراق الهدف الذي هو مواقع إلكترونية للعدو تحمل معلومات قد تكون سرية. ويأتي على رأس هذه الأهداف ضرب العدو في قوته المعنوية، نوع من الإيعاز بأن بيت العدو بلا أبواب، وأن ستره قابل للانكشاف.

مثيرة فكرة الجهاد الإلكتروني، تشعرك بأن القوة التنافسية عقلية وليست عضلية أو عسكرية. برزت الدعوة للجهاد الإلكتروني بعد مسلسل اختراق من قيل إنه سعودي اسمه «عمر» للمعلومات الخاصة ببطاقات الائتمان لمواطنين إسرائيليين ونشر معلوماتهم المالية على الملأ في شبكة الإنترنت، ثم توالى المسلسل الدرامي باختراق موقع بورصة تل أبيب وخطوط الطيران الإسرائيلية «عال». ألهمت هذه الغزوات الناجحة أعداء إسرائيل فظهرت إلى السطح من جديد آمال عريضة لبعض العرب والمسلمين لهزيمة إسرائيل في حرب إلكترونية.

إسرائيل شعرت بالألم، والصدمة، استفزتها غارات المدعو عمر، لأن الضربة جاءت على ظهرها الذي تفخر دائما بصلابته وهو ولوغها في علوم الحاسوب وتقنية المعلومات، وبالتأكيد من يبرع في مثل هذه العلوم فعليه أن يحظى بأمن معلوماتي يحميه من السرقة أو الاختراق، ما ظهر للعالم أن إسرائيل متفوقة في تقنية المعلومات لكنها قصرت في حماية نفسها ولم تضع في حسبانها أن من أعدائها من سيحاول تهديد أمنها المعلوماتي من وراء حجاب.

من المؤسف أن من الذين تنادوا مؤخرا بإعلان الجهاد الإلكتروني على إسرائيل الكويتي الدكتور طارق السويدان، وهو رجل دين وعلم معروف، حيث يبدو أنه ابتهج بعد نجاح المخترق السعودي المزعوم، لمعلومات عامة الناس من الإسرائيليين الذين ليسوا بالضرورة طرفا في النزاع العربي الإسرائيلي، والإضرار بمصالحهم الشخصية بشكل مباشر ومعلن.

الجهاد الإلكتروني اسم براق في ظاهره، إن كان مقيدا باختراقات المواقع العسكرية أو الوزارات السيادية، ولكن من الصعب أن ينأى بنفسه في مرحلة من المراحل عن إلحاق الضرر بعموم الناس التي ستقع ضحية مبارزات لم تختر أن تتورط فيها، سواء كانوا إسرائيليين أو سعوديين أو كويتيين. والنجاح في هتك ستر إسرائيل إلكترونيا هو بداية لتهديد أمننا نحن كذلك حيث لن تتوانى إسرائيل عن إلحاق الضرر بمن تشتبه بصلته في ارتكاب هذا الفعل. هي معركة بلا قائد ولا غرفة تحكم ولا زر بداية ونهاية، لذلك فعواقبها غير معلومة وبالتالي ليست حميدة.

لا أحد يعلم من هو القرصان «عمر»، هناك شكوك حول ادعاءات جنسيته، يظن البعض أنه إيراني اختار اسم عمر ليوحي يأنه سعودي سني، هدفه صنع مواجهة بين إسرائيل «الأداة» لضرب السعودية «العدو» فيصطاد عصفورين بحجر فتكون معركة بين فخار وفخار يكسر بعضه. وبعضهم قال بل هو إسرائيلي هدفه إظهار حاجة إسرائيل المحاطة بالأعداء الحقيقيين والافتراضيين لمزيد من الدعم الأميركي والحماية في هذا التوقيت، وآخرون قالوا هو فعلا سعودي ماهر أراد إظهار أقصى ما لديه في اختراق تحصينات الدولة العدو.

مهما كانت هوية المدعو عمر، فالأكيد أنه نجح في شيء واحد حتى الآن وهو دفع إسرائيل لتقوية نظامها الإلكتروني التقني والمعلوماتي لتكون حقا نموذجا فريدا في أمن المعلومات، وهو أمر ستعمل عليه إسرائيل بجد لا محالة، وبالتأكيد بدعم بلا حساب من الولايات المتحدة.

[email protected]