أول الهاربين

TT

اثنان من أوائل من يعرضون على الله الواحد القهار يوم الحساب العظيم: القاضي والسلطان. والمشترك بين القاضي والسلطان هو الحكم بالعدل. وإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، فإن القاضي أو السلطان حينما يصدر حكما أو قرارا، فهو يسعى جاهدا لاستحضار روح العدالة التي أمر بها مالك المُلك.

من هنا، اتفق فلاسفة الشرق والغرب، وعباقرة الساسة على مر التاريخ، وأساتذة السياسة منذ أرسطو حتى الدكتور عبد المنعم سعيد، على أن أهم صفة في الحكم الرشيد إشاعة العدل بكل أشكاله دون تفرقة أو محاباة. ومن صفات القائد العادل، صفة «الإيثار»، بمعنى أنه في حال تصادم مصالحي الخاصة أو سلامتي الشخصية مع الصالح العام للبلاد وسلامة الوطن، فإن الاختيار لا بد أن يكون الوطن والصالح العام.

والتاريخ مليء بالعظماء الذين قدموا المال والولد والنفس والسلطة ثمنا بخسا أمام حقوق العباد وسلامة أراضي البلاد.

ومن صفات القائد أيضا الشعور الكامل بالمسؤولية، سواء أكان قائدا لأسرة أم شركة أم حزب أم حكومة أم شعب.

أسوأ صفات القائد، التخاذل والهروب، وعدم مواجهة المسؤولية، لذلك توقفت طويلا أمام قصة غرق الباخرة الإيطالية «كوستا كونكورديا» والدور المتخاذل لقائدها الربان فرانشيسكو سكيتينيو.

كشفت التسجيلات بين مسؤول المرفأ الإيطالي الذي غرقت قبالته السفينة، والربان المتخاذل الذي نجا بنفسه أولا على قارب نجاة تاركا طاقمه والركاب يواجهون وحدهم مصيرهم المخيف، أن قائد المرفأ قال للربان المتخاذل:

«قد تكون أنقذت نفسك من البحر، ولكنني سأضعك في موقف في غاية السوء.. سوف أجعلك تدفع ثمن فعلتك هذه». ترك الربان الأطفال والنساء، وترك طاقمه، وترك السفينة التي اؤتمن عليها، ناجيا بنفسه!

هذا المثال، هو المعادل شبه الكامل، لأدوار بعض المسؤولين أو الحكام الذين يقفزون من القارب المتعرض للعواصف أولا، بصرف النظر عن شعورهم بأمانة المسؤولية.

في هذا الزمن الرديء الذي تكثر فيه النزعات الشخصانية الانتهازية من منطلق: «نفسي.. نفسي، وليذهب غيري إلى الجحيم»، تتكرر حالات القفز من القارب عند حدوث أي متاعب جوية!

يعرف الرجال في الشدائد، ويتم تقييم القادة عند المواجهات.

ليس هناك أسهل من الهروب إلى الأمام أو إلى الخلف من خلال إصدار بيانات الشجب أو الاستقالات المسببة التي تهدف إلى أن يغسل البعض أياديهم من المسؤولية.

لو قفزنا جميعا من القارب وسط العاصفة وتركنا أطفالنا ونساءنا وحدهم، كيف يمكن أن يكون حالنا أمام الله والوطن؟!