الباشا «ريبرارررري»؟!

TT

من الهوايات المحببة لنفس العبد لله هي زيارة «بقال» الحي وتبضع بعض أنواع مستلزمات البيت؛ هذه قطعة جبن وتلك بعض أنواع المخلل، ويا سلام على علبة تونة إيطالي بزيت الزيتون، وما أجمل أنواع «الزبادي» البلدي!

هذه الهلاوس الغذائية التي عادة تصيبني في المساء بعد عودتي من يوم عمل طويل وشاق. هذه الزيارات المتعددة كونت لي علاقات ممتازة مع صاحب المحل والعديد من الزبائن الذين يستغلون فترة الشراء والتهيئة ودفع الحساب لسؤال العبد لله بعض الأسئلة السياسية، متوسمين في شخصي الضعيف المعرفة الكاملة بأسرار المنطقة! وأول من أمس واجهت أحد الأسئلة الصعبة! وبينما أنا أهم بتذوق قطعة «بسطرما» لإصدار «الحكم الغذائي» النهائي بالشراء أو عدم الشراء، بادرني الأخ المسؤول عن تقطيع «البسطرما» متسائلا: «يا باشا هو صحيح الراجل الريبراري» ده كافر؟!

تساءلت: تاني يا حاج.. بتقول إيه؟

هذه المرة قالها بصوت عال يشبه الصراخ: «الريبراررري»

صحت: تقصد.. هل الليبرالي كافر؟

هز رأسه جازما بثقة لا نهائية: «لا يا باشا الريبراررري»، ثم أضاف «أنا سمعت الشيخ فلان بيقول كده في التلفزيون».

أجلت تناول قطعة البسطرما لأدخل في اختبار كيفية شرح أصول وحقيقة الليبرالية بشكل مبسط.

ثم هداني الله إلى أن أقول له: الليبرالية دي يا حاج مثل أنواع الجبن المتوفرة أمامك في الثلاجة الكبيرة؛ أنواع وأنواع، لكن في النهاية جبن.. مش كده؟

قال متسائلا: «إزاي»؟

قلت: الليبرالية التي نتحدث عنها في العالم العربي هي قائمة على مبدأ الحرية؛ حرية التفكير، حرية التعبير، حرية الاقتصاد، ثم المساواة؛ بمعنى أن كل مواطن متساو مع شقيقه المواطن في الحقوق والواجبات، لا يوجد أسياد ولا عبيد، ولا تمييز في اللون أو الطبقة أو الدين.

عاد وسألني: وهو فيه «ريبرارري» مصري؟

عدت وقلت له: نعم، فيه الدكتور طه حسين، الأستاذ توفيق الحكيم، سلامة موسى، قاسم أمين، طلعت حرب وناس كتير.. كتير.

عاد وسألني: لكن دول بتوع زمان، فيه «ريبراررري» من بتوع النهاردة؟

أسقط في يدي، لأن الحاج قد وضع يده بسؤاله هذا على أزمة التيار الليبرالي الحالية الذي لم يحصد الأصوات المأمولة في انتخابات البرلمان في مواجهة التيارات الإسلامية.

اضطررت إلى الكذب المعتاد، وقلت في ثقة: فيه كتير كتير جدا يا حاج، تقريبا معظم زبائنك في هذا الشارع الفخم من ذلك التيار!

رد معقبا في بساطة شديدة متسائلا: وسيادتك يا باشا ريبرارري برضه؟ تناولت قطعة البسطرما، وتذكرت الفوز الساحق لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي وهزيمته للتيار الليبرالي، وقلت له نافيا: أبدا.. يا حاج أنا طول عمري أهلاوي!