هل الحكومة التركية هي النموذج السائد الجديد في الشرق الأوسط؟

TT

ربما يكون من اللطيف التفكير في أن انسحاب ريك بيري من سباق رئاسة الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي له علاقة بالملحوظة التي قالها عن تركيا مؤخرا في مناظرة مارتيل بيتش بولاية جنوب كارولينا. يمكن أن ينظر إلى حديثه مع بريت باير من «فوكس نيوز» بسهولة على أنه نقطة ضعف خاصة بالسياسة الخارجية في حملته الانتخابية حتى هذه اللحظة. نقطة الضعف هذه هي الإفصاح عن الشيء. ويشير ذلك أيضا إلى خلل في الإدراك الأميركي، خاصة الحزب الجمهوري، لحجم التغير الكبير الذي يحدث في الشرق الأوسط وهو أكبر من بيري ذاته. كان وصف باير لحكومة رجب طيب أردوغان دقيقا، لكنه من جانب واحد، حيث قال إنه «منذ تولي الحكومة ذات التوجه الإسلامي السلطة... ارتفع معدل جرائم قتل النساء بنسبة 1.400 في المائة. لقد تراجع مستوى حرية الصحافة هناك إلى مستوى روسيا. ودعم أردوغان حركة حماس، وهددت تركيا باستخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل وقبرص»، ثم تساءل «هل تعتقد أن تركيا ما زالت تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي؟». وأجاب بيري: «من الواضح أنه عندما تكون الدولة محكومة من إرهابيين إسلاميين كما يراهم كثيرون...».

إرهابيون إسلاميون؟! اسمح لي.. هذا يقال عن حكومة ثبتت رادارا متطورا على أراضيها يمكن أن يستخدم في تتبع وإسقاط صواريخ من إيران؛ حكومة شاركت في عمليات حلف شمال الأطلسي ضد معمر القذافي في ليبيا؛ حكومة تستضيف معارضة الرئيس السوري بشار الأسد، وحصلت على الأغلبية أكثر من مرة في انتخابات نزيهة وأدخلت تعديلات على الدستور لتعزيز حقوق المرأة والأقليات العرقية والنقابات.

تلك أيضا رواية من جانب واحد عن سجل أردوغان، لكن هذا هو بيت القصيد، حيث يوضح مدى تعقيد وصعوبة وحيوية تركيا، التي تكون أحيانا حليفا متعاونا وضروريا للولايات المتحدة. بهذا المعنى تمثل حكومة أردوغان نموذجا للعلاقات التي ستديرها الإدارات الأميركية، إن كنا محظوظين، مع مصر والعراق وغيرهما من الدول في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل. شئنا أم أبينا واقع الأمر هو أن الحكومات ذات التوجهات الإسلامية على وشك أن تكون النمط السائد في منطقة حكمتها لعقود طويلة أنظمة علمانية مستبدة وجنرالات مؤيدون لأميركا. أصبح مشكلة خطيرة ذلك الانحياز السافر ضد الحركات الإسلامية، والذي بات عنصرا أساسيا من آراء الكثير من المحافظين الأميركيين، والذي يقول بأن جميعهم أصوليون ومناهضون للديمقراطية وإسرائيل وأميركا، هذا إن لم يقولوها صريحة بأنهم «إرهابيون». إذا تم تجاهل هذا الأمر، فسيكون من المستحيل على هذه الإدارة والإدارات المقبلة التعامل مع المشهد السياسي الجديد في المنطقة والحفاظ على تحالفات أساسية لا غنى عنها.

ربما يتبين أن بعض الحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله، عدوانية، لكن حركات أخرى مثل الإخوان المسلمين في مصر على استعداد للتحرك في المنطقة الرمادية الوسطى ومحاولة عمل توازن بين الحاجة للاستثمارات الغربية والتطلعات العلمانية للمواطنين من معتنقي الآيديولوجية الإسلامية. الطريقة الصحيحة للتعامل معهم هي الذكاء والتغاضي عن بعض التمرد وبعض اللكمات والاستمرار في الضغط على القادة للالتزام بالقيم الديمقراطية.

هذه هي الطريقة التي يتعامل بها باراك أوباما حاليا مع أردوغان وحكومته، والنتيجة حتى هذه اللحظة تبدو إيجابية. لقد كتبت مؤخرا عن إخفاقات أوباما في العديد من المبادرات الخاصة بالسياسة الخارجية، لكن طريقة تعامله مع تركيا وزعيمها المتقلب ربما تكون أهم إنجازاته. ومن حسن الطالع أن أوباما بدأ خطب ود أردوغان منذ بداية توليه السلطة، حيث جعل اسطنبول مقصده في أولى رحلاته الخارجية وألقى خطابا تعهد فيه ببناء علاقات قوية بين الولايات المتحدة وتركيا وكذلك مع العالم الإسلامي بوجه عام.

أعقب ذلك بعض الإحباطات، حيث انقلب أردوغان على إسرائيل حتى قبل اعتراض قافلة المساعدات الإنسانية التركية التي كانت تهدف إلى كسر حصار غزة، والهجوم الإسرائيلي عليها عام 2010. لقد حاول إضعاف محاولة أوباما لتمرير فرض العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن ثم صوت ضده.

أما داخليا، فقد أثار هجومه على الصحافيين المنتقدين واعتقال مئات من ضباط الجيش والنشطاء العلمانيين بتهمة تدبير مؤامرة انقلاب مشكوك في صحتها، استهجان السفير الأميركي ومؤخرا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. مع ذلك ظل أوباما يجتهد في التعامل مع الزعيم التركي ويتصل به هاتفيا أكثر من أي زعيم أجنبي آخر باستثناء رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون.

وكانت النتيجة علاقة شخصية جيدة نسبيا. عندما سئل أوباما عن علاقاته الخارجية في مقابلة الأسبوع الماضي، ذكر أردوغان من بين خمسة زعماء قال إنه كوّن معهم «أواصر الثقة». ويقول مسؤولو الإدارة إنهم يرون نقطة التقاء بين السياسات الأميركية والتركية العام الماضي، تتمثل في الموقف تجاه ليبيا وسوريا وإيران والربيع العربي بوجه عام. وفي الوقت الذي يظل فيه اتجاه أردوغان نحو الاستبداد داخل بلاده مثار قلق كبير، يعتقد بعض المسؤولين أن الدستور الجديد الذي يتولى حزبه صياغته سوف يؤدي إلى تعزيز المراقبة ويحقق التوازن ويحد من الاعتقالات التي يتعرض لها الصحافيون. لن يجعل هذا تركيا حليفا مثاليا أو يدفعها إلى تحسين العلاقات المتوترة مع إسرائيل، لكن يظل هذا أفضل من تحويل إسلامييها إلى أعداء أو عدم التمييز بينهم وبين الإرهابيين.

*خدمة «نيويورك تايمز»