هل هناك من يتساءل داخل القيادة السورية؟

TT

رفض النظام السوري عبر مصدر رسمي في خبر بثته وكالة الأنباء الرسمية، المبادرة العربية التي رسمت خارطة طريق مشابهة لما حدث في اليمن لتسليم شبه سلمي للسلطة، ليفتح الباب على أسئلة كثيرة، على رأسها: وماذا بعد؟ وهل تكون الخطوة التالية هي اللجوء إلى الحل الدولي؟

لكن الرفض نفسه يطرح تساؤلات، أولها: هل ذلك هو الموقف النهائي للنظام هناك؟ أم إن الباب لا يزال مواربا؟ فتجربة المبادرات العربية في الحالة السورية شهدت مواقف متضاربة من قبل النظام في دمشق، آخرها مهمة بعثة المراقبين العرب التي اعتبرت في البداية انتهاكا للسيادة السورية ثم أخذت أسابيع من الاستفسارات والرسائل والردود من جانب دمشق والجامعة، وتعديلات في البروتوكول العربي، حتى تم قبول استقبال المراقبين الذين أثاروا هم أنفسهم جدلا لم يتوقف حتى الآن.

لن يكون غريبا أن يحدث سيناريو مشابه للخطة العربية التي قدمت بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، وأن يحاول النظام في سوريا التفاوض حولها ويقدم استفسارات ثم طلب تعديلات.. إلى آخره، كما حدث مع بعثة المراقبين، في محاولة لشراء الوقت.

فحتى لا نخدع أنفسنا، لم يكن قرار قبول المراقبين العرب في سوريا إلا خضوعا للضغط ومحاولة لشراء الوقت، على أمل أن تتمكن القوات الأمنية من قمع الثورة هناك وإجهاض بؤر التوتر، بدليل أن وتيرة القتل واقتحام المدن لم تتوقف، وعلى العكس، تصاعدت ووصل عدد القتلى بوجود المراقبين العرب إلى بضع مئات.

إذن، الضغط هو الذي يؤدي إلى تحريك الموقف. وبالتالي، فإن الخطة العربية التي رفعت سقف التحرك العربي تجاه ما يحدث في سوريا، أضافت ضغطا جديدا على النظام هناك، مع إبقاء الباب مواربا لخروج آمن على طريقة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وهي نصيحة كان قدمها المنصف المرزوقي الرئيس التونسي في حواره مع «الشرق الأوسط» عندما تحدث عن سوريا، وقال: «يجب عدم إغلاق الأبواب الأربعة أمام نمر جريح، وأن يترك له منفذ». والمهم طبعا أن تفهم الرسالة ويقبل المقصود بها هذا المنفذ.

نحن أمام المشهد الأخير في الثورة السورية.. هذه حقيقة بدأت تتضح ويدركها الجميع خارج وداخل سوريا؛ الحكم والمعارضة هناك، والأطراف الإقليمية، عربية وغير عربية، والقوى الدولية. فقد حصل الأسد على الكثير من المهل والوقت، ولم يقدم حلولا حقيقية، كما لم يستطع أن يقضي على الثورة التي كسرت حاجز الخوف، وبدأت ترد بالسلاح على السلاح الموجه لها، وأصبحت الأوضاع على الأرض تتغير يوميا لغير صالح النظام الذي بدأ يفقد السيطرة على مدن ومناطق بكاملها.

وإذا كان لا أحد يستطيع معرفة ما يدور داخل كواليس الحكم والمؤسسات السورية، فلا بد أن الخطة العربية ألقت بحجر في الماء الذي لا نعرف ما إذا كان راكدا أم لا داخل كواليس الحكم والمؤسسات الرسمية. ولا بد أنها ستدفع شخصيات أو مسؤولين فيها إلى التساؤل: هل يساوي الحفاظ على بقاء الرئيس تدمير البلد ومؤسساته ونزف الدم المستمر وقتل الشعب، والانشقاقات المتواصلة في الجيش والقوات الأمنية. والمؤمل أن يهتدوا إلى الجواب المناسب إذا كان هناك حس بالمسؤولية، وإذا كانت هناك شجاعة في طرح مثل هذه التساؤلات.

هل هناك من يطرح هذه التساؤلات داخل القيادة السورية؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.