مخاوف غير مشروعة

TT

الموعد المقرر بناء على الاتفاق السياسي الأولي بين فتح وحماس للانتخابات الرئاسية والتشريعية هو الرابع من مايو (أيار) من هذا العام، أي بعد أقل من أربعة أشهر.

الناطقون الرسميون، على كلا الجانبين، يتحدثون عن الانتخابات بلغة غير يقينية.. أما الحوارات الداخلية وما يفترض أنه استعدادات لخوضها فتبدأ بعبارة «إن جرت». وفي أفضل الأحوال يقال: دعونا نتصرف كما لو أنها سوف تجري!!

وقضية الانتخابات، سواء أكانت تشريعية أم رئاسية أم محلية أم حتى نقابية، هي من أكثر الموضوعات تأثيرا في الحياة الداخلية الفلسطينية، فما إن يقال إن الانتخابات على الأبواب حتى تبدأ آلة قوية الصوت والصدى بالحركة والدوران، ويشرع المتطلعون للزعامة في استعدادات محمومة وتحركات نشطة لضمان الفوز.

وفي أمر الانتخابات يبدو الأكثر إثارة هو وضع فتح، وبدرجة أقل وضع حماس.. الإثارة في وضع فتح أنها حين تتصدى لاستحقاق الانتخابات لا تفعل ذلك بمنطق فصيل تتولى إطاراته الشرعية مهمة إنجاز العمل من الألف إلى الياء، ثم تصدر أوامرها لأعضائها كي ينضبطوا إلى قراراتها وقوائمها ومرشحيها، وأن يعملوا بنسق منسجم لإنجاحها؛ ذلك أن فتح ليست فصيلا، كما أن أعضاءها ليسوا حزبيين، فكلٌّ يصوت على هواه، تارة يشد العضوَ انتماؤه العائلي، وتارة أخرى انتماؤه المناطقي، وآخر ما يجري وضعه في الاعتبار هو الموقف السياسي، فلا تصويت على هذا الأساس إلا ضمن نطاق محدود للغاية؛ لذا تبدأ العملية الانتخابية على مستوى فتح في الكواليس والصالونات المغلقة، وكلما اقترب موعد الذهاب إلى الصناديق ارتفعت حرارة التنافس الداخلي على نحو تكرَّس فيه عمليا وواقعيا أغرب معادلة انتخابية، وهي أن فتح تجمع أكبر عدد من الأصوات وتحصد أقل عدد من المقاعد.

الانتخابات المفترض إجراؤها في مايو من هذا العام، وبفعل نتائج الانتخابات السابقة، ولَّدت في تفكير فتح الجمعي مخاوف من عدم الفوز فيها؛ لهذا لا تملك فتح حيال هذا الاستنتاج المسبق إلا تنويم عملية الانتخاب بالتأجيل أو بالذهاب إلى الانتخابات، حاملة معها أملا صعبا، وهو توحيد أصواتها وتمتين انضباط أعضائها والتوفيق في اختيار المرشحين جاذبي الأصوات، سواء من الفتحاويين أو المستقلين المتحالفين معها.

ولأنه لا يقين بإمكانية تحقيق ذلك خلال الأشهر المقبلة، فإن المخاوف تبقى وتتعاظم، وقد تؤدي إلى التأجيل، وربما إلى ما لا نهاية.

أما حماس، فلديها أيضا مخاوفها، لكنها أقل من مخاوف فتح؛ وذلك بحكم عاملين مهمين، الأول داخلي؛ حيث إنه مهما بلغ الاختلاف في الاجتهادات داخل صفوف حماس، فإن الحركة الإسلامية تظل الأقدر على ضبط أصواتها، والأقدر كذلك على تفادي التنافس بين مرشحيها. أما العامل الثاني فيكمن في التشجيع الذي استمدته من نجاحات الإسلام السياسي في المحيط العربي، مما خلق لدى وعيها الجمعي يقينا بحتمية النجاح في فلسطين، واضعين في الاعتبار أنهم في غزة أصحاب مأثرة توليد النظام الإسلامي الأول في العالم العربي.

غير أن ذلك وإن كان واقعيا، إلا أنه لا يلغي المخاوف؛ فمثلا على الرغم من اليقين بتحقيق الفوز فإنه لن يكون بالنسبة المتفوقة نفسها، التي تحققت في المرة السابقة، تلك النسبة المرتفعة التي أهلتها لتشكيل حكومة بمفردها، دون الحاجة إلى حلفاء أو شركاء.. والخوف من هذا الأمر منطقي، وربما معزز بحسابات واقعية؛ ذلك أن نظام الانتخابات الجديد يقلل من احتمالات تشتيت الأصوات، مما يؤثر على ميزة التفرد في الانضباط بين مرشحي وناخبي حماس، وحتى لو أفرزت فتح وحلفاؤها أو من هم على غير استعداد للتحالف مع حماس، قوائم متعددة، فإن فتح ستحصل على ما لها أساسا.. أما القوى الجديدة التي تشكل خطا ثالثا بين القطبين فستأخذ من حماس ولا يضر فتح لو زاد عدد مقاعد هؤلاء.

إن المخاوف عند القطبين قائمة، وربما تستفحل لتفرز اتفاقا موضوعيا على التأجيل، ولذلك أغطية بالإمكان تسويقها تحت عناوين مجيدة، إلا أن هذه المخاوف تظل في جوهرها غير مشروعة، ولا يجوز ارتباط عجلة الحياة السياسية لشعب بأسره بهذه المخاوف.. من حق أي فصيل أن يعمل ويفوز، ولكن ليس من حقه أن يؤجل إذا شعر بأن الرياح لن تكون مواتية لحساباته كفصيل.