في البرلمان.. النوم سلطان

TT

ربما كانت الصورة الأبرز في هذا الأسبوع، والتي تحولت إلى مصدر للتندر والتعليقات الساخرة في شبكات التواصل الاجتماعي؛ هي ضبط مجموعة من أعضاء البرلمان المصري في أول جلساته، وهم في حالة نعاس أو غفوة وربما قيلولة قصيرة.

البرلمانيون النائمون ينتمون إلى حزب النور السلفي، وهو الحزب الجديد عمراً وتجربة سياسية والذي بذل أكبر مجهود من اليقظة لحصد الأصوات الانتخابية فكان ترتيبه الثاني، ولو قدر أن تتأخر الجولة الانتخابية التي لم تشمل كل المناطق قليلاً أن تتأخر قليلاً؛ لكانت المفاجئة ألا يحصل الحزب على المركز الأول.

الوقت والتحضير الجيد لحملة كان كفيلاً لينعم أعضاء الحزب بالدعاية السياسية عبر سيطرتهم على الشارع، ومصادر التلقي، بل واكتساب بعض رموزهم الدينية شعبية تفوق كل رموز جماعة الإخوان، والتي تعيش على مستوى القواعد في الأرض «الكوادر» تحولات باتجاه السلفية.

وإذا كان المركز الثاني الذي حصده حزب النور وهو بالمناسبة ليس الحزب الوحيد المعبر عن التيارات السلفية باختلاف تنويعاتها، لم يكن مفاجئة كبرى قدر أنه شكل للمراقبين للحالة الإسلامية في مصر خطوة أولى في طريق الصراع الطويل مع جماعة الإخوان حول تحديد «الهوية» الدينية لمن يحق له تمثيل تجربة الإسلاميين في العمل السياسي، وبالتالي كسب ثقة الشارع عبر شعاراته الدينية إضافة إلى أعماله الخدمية، التي يمتزج فيها الدعوي بالسياسي بالتطوعي ليصنع ما يشبه «العلامة التجارية«Branding بلغة التسويق.

الصراع بين الإخوان وبين السلفيين في الحالة المصرية يبدو غير متكافئ لأسباب تتعلق بوقوف قوى فاعلة في الحالة السياسية المصرية وأبرزها الجيش وبقية الأحزاب غير الإسلاموية وحتى الغرب في صف الإخوان بسبب طول التجربة السياسية للجماعة، لكن كفة السلفيين ترجح بامتلاكهم ناصية الشارع طولاً وعرضاً، ولأسباب أخرى أهمها وصولهم إلى البرلمان بهذه الكثافة وتمسكهم برؤيتهم الأصولية في أول جلسة برلمانية وتحديداً حول مسألة الحاكمية أو كما تطرح بشكل مخفف «تطبيق الشريعة « وهو مصطلح مفخخ إذا ما أعدنا للاعتبار أن الهوية الإسلامية العامة غير المسيسة تكاد تصبغ المجتمع المصري بكل أحزابه الليبرالية واليسارية والناصرية إذا ما استثنينا الأقباط وهم الآن أكثر تقبلاً لفكرة التحالف مع تيار إسلامي معتدل وفق صيغة وطنية توافقية.

السؤال الملحّ في مسألة تحديد الهوية السياسية للأحزاب الإسلامية انطلاقً من شرعيتها الدينية على الأرض؛ هو عن إمكانية تحالف حزب النور مع الإخوان، وهو أمر يبدو مستبعداً الآن في مرحلة الحصاد السياسي وبناء الصورة النمطية، وفي التفاصيل فإن الاشتراك في الإطار العقائدي والفقهي بعمومايته التي لا يمكن تحويلها إلى برنامج سياسي، ليس بكاف لمثل هذا التحالف، والأمر الآخر أن التيار السلفي في مصر رغم التحولات الجذرية، وأبزرها الانتقال من مفهوم «طاعة ولي الأمر« إلى أسلمة الديمقراطية، لا يستطيع المجازفة برؤيته السياسية والاجتماعية المباينة تماماً للإخوان رغم الاتفاق في الشعارات العامة.

على عكس القراءة التسطيحية للإسلام السياسي والسلفية، والتي تستمد عادة من الخطاب الإعلامي البراغماتي لتلك الجماعات، وليس الإرث الفكري؛ المادة الأكثر خصوبة لفهم أعمق لطرائق وآليات العمل؛ والحق أن الإخوان المسلمين يعبرون عن «نص» مغلق سياسياً ومفتوح ومتطور عقائدياً واجتماعياً، وهو عكس نص التيارات السلفية المسيسة المتشدد في مسألة العقائد والاجتماعيات إلى حد الهوس بالتفاصيل؛ بينما يتسم خطابهم السياسي ببراغماتية شديدة قد تصل إلى حدودها القصوى كما هو الحال في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو التعامل المباشر مع القوى الغربية، ويمكن التدليل على هذا التفريق بمسألة لا زالت ملتبسة لدى الطرفين كمسألة الموقف من المشروع السياسي لإيران في المنطقة والتي تترواح بين الموقف العقائدي والسياسي تبعاً لطبيعة التباس التشيع السياسي بالعقائدي.

أحزاب النور والأًصالة والفضيلة ليست التيار الوحيد الممثل للتيار السلفي في مصر فالجماعة الإسلامية المحظورة التي اتهمت باغتيال السادات أطلقت حزبها البناء والتنمية كما أن ثمة تيارات إسلامية لا تنتمي إلى مجال الإسلام السياسي التقليدي كما هو الحال مع حزب التحرير المصري وصوت الحرية الممثل السياسي للحركة الصوفية في مصر، مما يعني أن الحالة الإسلامية في ظل ازدهار سوق الشعارات قابلة للاتساع متى ما لم يكبت جماحها بطريقة غير ديمقراطية وهو خطأ استراتيجي وكارثي يمكن أن يرتكبه الجيش إن بمباركة أحزاب ليبرالية مترهلة أو بمخاوف غربية قد تحول الأحزاب الليبرالية إلى فزاعة ما بعد الثورة بعد أن كانت التيارات الإسلامية هي الفزّاعة

الأكيد أن مساجلة تلك التيارات ومحاققتها بالوعود التي أطلقتها فيما يخص تصوراتها وبرامجها السياسية للمرحلة القادمة، إضافة إلى الالتزامات التي قبلت بها حين دخلت اللعبة الديمقراطية؛ هما الحل لمحاولة تطوير أدائها السياسي ورؤيتها التنموية باتجاه المزيد من تدعيم الحريات والتعددية السياسية وتطبيق سيادة القانون وعدم الانفراد بالسلطة ولو من خلال التلويح بشعار «تطبيق الشريعة» في وجه برلمان يعترف بالهوية الإسلامية العامة، كما يستند إلى دعامة متينة من الاعتدال الديني ممثلة في الأزهر الغائب أو المغيب.

[email protected]