عندما يهرب القائد!

TT

ربان السفينة الإيطالية السياحية الذي لاذ بالفرار فور غرق سفينته العملاقة، قبل أيام، تاركا وراءه آلاف النساء والأطفال والعجزة لا يُعد أول قائد يرتكب هذا الخطأ الفادح بالهروب من المواجهة.

فمنا من يذكر، مثلا، حكاية العبارة المصرية التي غرقت في عرض البحر الأحمر وراح ضحيتها مئات الركاب، ثم اتهم ربانها بالهروب بقارب نجاة ليترك خلفه الركاب «الغلابة» يواجهون مصيرهم المحتوم. وكلنا يذكر أيضا «الهروب الكبير» للرئيس التونسي زين العابدين بن علي من بلاده على أثر اشتعال فتيل الثورة التونسية التي أطلقت شرارة الثورات العربية. وقد سبق التونسي الرئيس العراقي صدام حسين الذي فر من قصره الجمهوري مع دخول قوات التحالف أرض العراق عام 2003.

عندما يهرب قائد قد يخلص شعبا كاملا مقموعا من شروره، أو قد يكتب ذلك الهروب الخلاص مثلا لموظفي شركته أو إدارته، بسبب عدم عدالته، غير أنه على الجانب الآخر هناك شريحة كبيرة من القياديين الذين يتهربون لأسباب أخرى، في مقدمتها خشيتهم من مواجهة مسؤولياتهم الجسام.

فنسمع على مدار العام عن وزير ترك وزارته بعد أن علق سبب استقالته على شماعة «أخطاء الآخرين» أو أن «البيئة غير مواتية للإنتاج» أو أنه «مُحارب» أو «غير مُقدّر»، لكنه في حقيقة الأمر لا يريد سوى التملص من واجباته! والبعض يترك شركته المتعثرة ماليا ليخوض الانتخابات أو يقبل بأي وظيفة أخرى علها تنجيه من أعبائه وهمومه، ناسيا أن ذاكرة التاريخ قوية وستكشف مآربه يوما ما.

من يرى أنه ليس أهلا للقيادة يجب أن لا يقبلها ليحمي نفسه على الأقل من تداعياتها، وهذا ليس عيبا فيه. فليس كل البشر قياديين، فهناك من لا تتوافر فيهم سوى صفات الأتباع أو ما يسمى بالإنجليزية الـ«Followers» وهذه سنة الحياة. ولو كنا كلنا قياديين لتقاتلنا في الشوارع والميادين العامة وحتى داخل أسوار البيت الواحد.

لكن تبقى حقيقة مهمة يجب أن يدركها كل قائد، وهي أن «المسؤولية» في القيادة لا يمكن تفويضها، وهذا ما أدركه كبار القادة عبر التاريخ الذين سُطرت أسماؤهم بأحرف من نور.

[email protected]

* كاتب متخصص في الإدارة