تفكيك الدولة العربية

TT

أكبر خطر تتعرض له أفكار الثورات الشعبية عامة وثورات الربيع العربي خاصة، هو ما يعرف باسم الأفكار التي تتبع مبدأ «الأناركية».

«الأناركية» هي فلسفة سياسية تتهم الدولة دائما بالدولة اللاأخلاقية، لذلك يدعو أنصار هذا المبدأ إلى مجتمعات من دون دولة نظامية، ولكن يقوم النظام على جمعيات تطوعية غير هرمية.

هذا المبدأ وهذه النظرية يسميها البعض «اللاسلطوية» وظهرت أفكارها منذ القرن السادس قبل الميلاد وظلت تتداول في أوروبا أثناء القرون الوسطى وعند ثوراتها الكبرى.

في كل هذه التجارب سوف تجد جماعات تقول لك: «هذه الدولة ساقطة أخلاقيا، لا أمل في إصلاحها، والبديل ليس في إسقاط النظام، ولكن في إسقاط أركان الدولة جميعها وتفكيكها». وحينما تسألهم ما هو بديل الدولة، يقولون: أن تتولى جماعات تطوعية أركان الدولة من خلال نظام غير هرمي غير تسلطي!

ويسعى أصحاب هذه النظرية إلى استبدال امتياز وسلطة الدولة إلى «تنظيم حر وتلقائي للجماهير»! ولعل أقوى نموذج لهذا النوع من التفكير هو «ميخائيل باكونين» الذي عارض الأفكار الماركسية أثناء الثورة البلشفية الروسية معتبرها - حينئذ - غير ثورية! ومصطلح الأناركية مستمد من «أناركسيموس» اليونانية وهي تعني «من دون حكام»!

هذه الأفكار أضيف إليها بعض عناصر التلوث الفكري حتى وصلت إلينا في عالمنا العربي، حتى أصبحت - وللأسف الشديد - معادلا لمبدأ مخيف وهو: أن كل شيء، وكل شخص، وكل مؤسسة، وكل هيئة لها علاقة بالدولة، هي جهة فاسدة غير أخلاقية يتعين إسقاطها بأي وسيلة مهما كانت عنيفة.

هذه الأفكار، والحمد لله، لا تعبر عن الغالبية العظمى للثوار في عالمنا العربي، ولكن خلال العام الماضي يلاحظ المراقب المتابع لأدبيات هذه الجماعات على الإنترنت أنها تزداد اتساعا.

وهذه الجماعات بحاجة لحوار، بحاجة لاحتضان فكري من أصحاب الأفكار المعتدلة، ومن الحكماء الذين يؤمنون بالاختلاف وليس بالسلوك العدمي المدمر لأصحابه وللمجتمع ويؤدي لتفكيك الدولة.