إيران إما أن تتعاون نوويا أو يتغير النظام!

TT

أخذ المسؤولون الإيرانيون وقتهم لينفوا التصريحات «الصريحة» التي أدلى بها قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني المتعلقة بسيطرة إيران على العراق وجنوب لبنان. ما قاله سليماني يعرفه الجميع، وكنت قبل عدة سنوات التقيت بشقيق قائد «الحرس الثوري» الإيراني السابق في لندن، وقال لي صراحة: «إيران تعتبر (حزب الله) خط الدفاع الأول».

السفير الإيراني لدى لبنان جعفر ركن آبادي في نفيه تصريحات سليماني قال إن المقصود هو أن «الربيع العربي» يأخذ روحيته من الثورة الإسلامية الإيرانية، وهذا غير صحيح، لأن «الربيع العربي» أخذ استعداداته من «الربيع الإيراني» الذي أزهر عام 2009 وقمعته بوحشية سلطات آبادي في طهران، وقد يعود ليتحرك بعد «الربيع العربي» وينجح أكثر من نجاح «الربيع العربي» المتخبط، لأن للشعب الإيراني خبرة في الثورات؛ ثورة مصدق، وثورة 1979.. والثورة المقبلة.

لهذا ينظر آيات الله بقشعريرة إلى «الربيع العربي»، فهم يرفضون حكم النخبة.. برأيهم لا يبشر بالخير ويفتح إيران على المؤامرات الخارجية والصراعات الداخلية، لذلك هم يبحثون عن طرق لتجنب إجراء الانتخابات المقررة دستوريا لأنها قد تنطوي على جولة أخرى من الاضطرابات التي ستجر قمعا بأمر من المرشد الأعلى، يحرجه.

التركيز في نفي الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية تصريحات سليماني كان على العراق؛ إذ ماذا يفيد تهديد سليماني بأن جنوب لبنان «جزء» من إيران العسكرية، فهناك لا نفط، على الأقل حتى الآن، يعوض النفط الإيراني.. أما العراق، فإن نفطه مشرع للاستغلال الإيراني وقد بدأ. لكن، إذا دمر الاقتصاد الإيراني، بأنواع المقاطعة المطروحة عالميا، بماذا ستحارب؟ إنها تبحث عن الين، واليوان (العملة الصينية)، والروبية، وهذه العملات غير موجودة في جنوب لبنان أو العراق.. إنها في اليابان والصين والهند، لكن، هناك خطوط حمر ترفض هذه الدول السماح لإيران بتجاوزها، لا سيما الصين، في ما يخص إغلاق مضيق هرمز.

صاحب التصريح، أي قاسمي لم ينف ما قاله، فهو يريد أن يترك النار متأججة، ولوحظ أيضا أن حزب الله في لبنان لم ينف أن هذا هو دوره. عرض مسؤولوه عضلاتهم على اللبنانيين في بيانات «تأديبية» أدلوا بها في مناسبات تأبين، تضمنت دائما الدعوة إلى «تثبيت» معادلة الجيش والشعب والمقاومة.. الشعب المقصود هذه الأيام هو «الشعب الشيعي اللبناني»، لأن بقية اللبنانيين اهتماماتهم معيشية ولن يصغوا إلى ما رفضوه سابقا. لكن، مع المعاناة المعيشية اليومية، صار حتى «شعب الحزب» يعرف أن نموذج الانتصار الذي حققه الحزب عام 2006، إذا تكرر سيكون عبئا هو غير قادر على تحمله؛ إذ أي معنى لانتصار على إسرائيل مع كل الخسائر التي مني بها الحزب ولبنان و«الشعب الشيعي اللبناني».

قول سليماني إن إيران قادرة على فرض حكومات إسلامية في الدول «التي تسيطر» عليها، لن يطمئن حتى النظام السوري الحالي الذي يتهاوى أكثر من أي وقت سابق، رغم أن أصوات مؤيدي سوريا اللبنانيين تكاد تصاب ببحة مزعجة وتكاد أعينهم تخرج من محاجرها وهي تدافع عن سوريا وكذلك عن إيران.

النفي الإيراني للتدخل في شؤون الدول المجاورة أمر يثير العجب، لأن الواقع ينفي النفي. وكان واضحا العقيد ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي عندما تحدث عن خريطة «مملكة البحرين الشيعية» الممتدة من كاظمة إلى الفجيرة.. الكل يعرف أن إيران تتدخل في دول المشرق العربي وتتدخل في دول الخليج بوضوح.

التدخل شيء، وإعلان حرب من أجل دولة أخرى شيء آخر. إيران لن تحارب من أجل سوريا. لا أحد يراهن على حصان خاسر، لا بل هي وحزب الله معها، يدرسان «ما بعد الأسد». هي تعرف أن الدول الكبرى تتفق على «مخرج» للأزمات يناسبها. فالحل اليمني للأزمة السورية طرح روسي؛ أخذ في عين الاعتبار، أن الرئيس السوري بشار الأسد وعد بانتخابات حرة، ووعد بتعدد الأحزاب، وهذا يعني استعداده لقبول الخسارة لاحقا في الانتخابات الرئاسية، والتنحي. الحل اليمني احتاج إلى سنتين للتطبيق، بعد سنتين تنتهي فترة رئاسة الأسد، وسوريا لن تخرج من أزمتها خلال السنتين المقبلتين.. إيران تعرف هذا وتعرف أيضا أن هناك خطة متفقا عليها دوليا تتعلق بها.

في السابق، طرحت على الأسد فكرة التغيير والإصلاح. لم يطرح أحد فكرة تغيير نظامه.. راوغ وتذاكى. صار الطرح الآن تغيير النظام. كذلك الأمر بالنسبة لإيران. الطرح الأول كان التعاون بالنسبة لبرنامجها النووي.. هناك فرصة أخيرة أمامها، قبل أن يصبح الطرح تغيير النظام، وهذا يناقش في عواصم كثيرة.

قبل أيام في أنقرة قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، إن إيران لم تهدد يوما بإغلاق مضيق هرمز وإن تحركات الأسطول الأميركي في الخليج ومضيق هرمز أمر روتيني يكفي هذا إشارة لرغبة إيران في تجنب الحرب.

إذا أرادت إيران تجنب الحرب، يجب على الأقل أن تنجح المفاوضات حول برنامجها النووي. قرار مقاطعة استيراد النفط الإيراني الذي اتخذته المجموعة الأوروبية في ظل حديث عن استئناف المفاوضات، يبقى قرار مقاطعة وليس قرار حصار، مما يعني أن أوروبا تركت فرصة أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما ليملي رغبته في الخطوة المستقبلية.

إيران بدورها تريد عودة أوباما رئيسا لأميركا؛ ذلك أن المرشحين الجمهوريين الرئيسيين ميت رومني ونيوت غينغريتش يفضلان التعامل مع إيران عسكريا. كما أن حلفاء أميركا، مثل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل يضغطون عليه. ومساء الأحد الماضي عبرت حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» مضيق هرمز ورافقتها مدمرتان؛ بريطانية وفرنسية، «رغم التهديدات السابقة لإيران».

إذا انطلقت المفاوضات، فإن ما يمكن أن يقدمه أوباما هو رفع بعض العقوبات الحالية ضد إيران، مع نسخة معدلة عن اتفاق جنيف لعام 2009، الذي كان ينص على أن تشحن إيران 75% من اليورانيوم المنخفض التخصيب من أجل الحصول على الوقود النووي. في المفاوضات المقبلة، سيطلب أوباما أن تشحن إيران 100% من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بالإضافة إلى ما لا يقل عن 75% من اليورانيوم المخصب على مستويات أقل من 20%، مقابل أن يتم تحويل كل اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى وقود نووي لصالح مفاعل أبحاث طهران، مما يسمح له بإنتاج المواد الطبية. بهذا يضمن الغرب أن النظام الإيراني لن يكون قادرا على صنع القنبلة النووية، التي يميل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي لتصنيعها خلال العامين المقبلين.

بالنسبة لخامنئي، لن يكون الأمر سهلا، خصوصا أنه بنى شرعيته على «شيطنة أميركا»، فهو يواجه ضغوطا اقتصادية قوية. إذا رفض التجاوب وفضل تجاهل كل الدعوات والاقتراحات، فإن الاقتصاد الإيراني، الشريان الرئيسي لبقاء النظام، قد ينهار.

إذا لم يصدر أي نفي عن سليماني، فلأن «الحرس الثوري»، أحد مراكز القوى الثلاث في النظام، يشعر بأنه في أفضل وضع للاستفادة من أزمة الخليج والأزمة النووية. «الحرس الثوري» لديه طموحات توسعية ليصبح تكتلا اقتصاديا وعسكريا على غرار المؤسسات العسكرية في مصر وباكستان، ويشعر بأن الأحداث الجارية تساعده على تحقيق ذلك.

هل سيجنح إلى الحرب، مع كل تصريحات قادته النارية بما فيها تصريحات سليماني؟ لقد رأى «الحرس الثوري» كيف تفكك العراق من قبل قوات التحالف، ويراقب سوريا التي تمزقها الصراعات الطائفية، لذلك سوف يعمل على منع إيران من السير على طريق التفتيت نفسه؛ فالإثنيات غير الفارسية كثيرة في إيران.