كيف السبيل إلى دمج مسلمي أوروبا؟

TT

منذ أسبوعين تم إضرام النيران في عدد كبير من السيارات في مدينة كليرمونت فيراند الفرنسية بعد أن تعرض سائق شاحنة يبلغ من العمر 30 عاما ويدعى وسام اليمني، للتعذيب والقتل أثناء احتجاز الشرطة له. أوضح الصخب حول هذا الأمر مدى عدوانية الأقلية من الشباب تجاه السلطة في مختلف الدول الأوروبية وهي كراهية تؤدي أحيانا إلى اندلاع الكثير من أعمال العنف.

كثيرا ما يُعزى فشل دمج المسلمين في أوروبا، خاصة من قبل الأحزاب اليمينية، إلى التغاضي المبالغ فيه عن هجرة عدد كبير من المسلمين والتي بدأت في منتصف فترة السبعينيات. ويوضح هذا الطرح أن الاعتراف بمطالب المسلمين الدينية، هو ما يعوق دولا مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا عن إتمام عملية دمج هؤلاء في المجتمعات الغربية ويؤدي في بعض الحالات إلى تعزيز التطرف.

مع ذلك لا ينبع الاضطراب الذي تشهده الضواحي الأوروبية العنيفة من الاختلاف الديني، بل من الانحراف. لا ينبغي أن يخشى الأوروبيون من السماح للطلبة المسلمين بالالتحاق بفصول تدرس الإسلام في المدارس والجامعات الحكومية. ولا يعني الاعتراف بمظاهر الدين الإسلامي ودمجها بدءا من اللغة ووصولا إلى التعليم الاستسلام إلى الأصولية، بل على العكس يمكن لأوروبا أن تدمج المهاجرين لديها وتفي بوعدها بحرية العقيدة من خلال دعم الحقوق الديمقراطية لمواطنيها المسلمين والتي تتيح لهم إقامة المؤسسات والانضمام إلى الأحزاب السياسية والانخراط في مختلف الأنشطة المدنية.

خذ على سبيل المثال النقاش الفرنسي بشأن إمكانية الاعتراف بيوم الغفران اليهودي، يوم كيبور، وعيد الأضحى عند المسلمين كأعياد رسمية. صحيح أن الدولة الفرنسية تتعلق بمبدأ العلمانية - لكن اعتراف الدولة بعيدي الشكر والكريسماس كعيدين رسميين يبدو لبعض اليهود والمسلمين أشبه ما يكون بالنفاق. إن غياب الإسلام في المؤسسات التي يرتادها الشباب الأوروبي المسلم يبدأ بالروزنامة المدرسية والحجرة الدراسية والمقصف الذي يسهم في الغضب والإقصاء.

وخلال الشهور القليلة الماضية، كانت هناك بعض المؤشرات على تراجع الزخم الذي يحظى به اليمين، فقد تم قتل القانون الفرنسي لمنع النقاب في مراكز الرعاية النهارية في اللجنة. وصوت البرلمان في هولندا ضد قرار يجرم ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية. وساعدت الدولة الأكثر سكانا في إلغاء حظر على الصلاة في المدارس عبر الإعلان عن إمكانية الوصول بشكل متساوٍ للحصص الدينية أمام الطلبة المسلمين.

وبمقدور الدول الأوروبية استغلال فترة الإهمال البسيط للقضية الإسلامية في دمج الدين في النسيج الوطني. فقد تجاهلت هذه الدول على مدى وقت طويل تبني سياسة اندماج متناغمة بحجة «التعددية الثقافية». وعهدت بهذا العمل الشاق إلى دبلوماسيين أجانب في المؤسسات الإسلامية - على سبيل المثال، بعض الطلبة في ألمانيا يقرأون نصوصا مدرسية كتلك التي تدرس في المؤسسات السعودية.

هذا الإهمال للتكامل ساعد الإسلام غير المنظم والمتشدد في تولي زمام القيادة في واجهات المتاجر والأقبية والباحات. وقد عكس تفكيرا تواقا بشأن المدة التي سيقضيها العمال المهاجرون وتخليد أسطورة الرحيل النهائي والترحيل.

ففي بريطانيا على سبيل المثال، حمت القوانين القائمة على المساواة العرقية السيخ واليهود كأقليات عرقية، لكن ليس الهندوس والمسلمين لأنهم لا يزالون يعتبرون «أجانب».

هذا الإقصاء المؤسسي غذى مطلب الاعتراف الديني وقدم الكثير لتوحيد وعزل المسلمين. وأصبحت المنظمات الإسلامية المدافع الأكثر وضوحا عن الإيمان. ولذا فإن من الأهمية بمكان الآن توفير المزيج المناسب من الحوافز المؤسسية للاعتدال الديني والسياسي، وبناء استراتيجية واعدة للقيام بذلك يتطلب من الحكومات التشاور مع مجموعة كاملة من المؤسسات الدينية التي تحترم القانون والتي أقامها المسلمون، فالمجلس الفرنسي الإسلامي، والمؤتمر الإسلامي الألماني، واللجنة الإسلامية الإيطالية والمجلس الاستشاري الوطني للمساجد والأئمة في بريطانيا - كل هذه المنظمات الإسلامية التي أجازتها الدول أنشئت في العقد الماضي - تمثل قطاعا عريضا من مسؤولي المساجد في كل بلد. وقد بدأوا بهدوء التوفيق بين قضايا عملية كثيرة، من إصدار تصاريح لإنشاء أقسام تعني بتدريس المناهج الإسلامية في الجامعات الحكومية لتعيين رجال الدين في الجيش والسجون. وفي نهاية المطاف، تعد المؤسسات الديمقراطية المنتخبة هي المكان الذي ينبغي التعبير من خلاله عن رغبات المسلمين. ومنذ عام 1789، عندما أكد أحد المشرعين الفرنسيين أنه «يتعين حرمان اليهود من كل شيء كأمة، ولكن يجب منحهم كل شيء كأفراد»، أصبح الأوروبيون يعانون كثيرا من أجل إزالة التوتر بين الحقوق المستمدة من المواطنة العالمية في مقابل عضوية المجموعة.

وعلى مدى السنوات العشرين المقبلة، من المتوقع أن يرتفع عدد المسلمين في أوروبا من 17 مليون نسمة لنحو 30 مليون شخص - ما يتراوح بين 7 و8 في المائة من إجمالي عدد السكان الأوروبيين. إن منح المسلمين حرية دينية كاملة لن يزيل العقبات التي تحول دون المشاركة السياسية أو خلق فرص العمل، ولكنه سيعمل على الأقل على تلاشي التوترات إزاء شعائر المسلمين الدينية، وهو ما من شأنه أن يمنع الفتنة الطائفية التي لا داعي لها ويمهد الطريق للسياسيين للتصدي للتحديات الأكثر إلحاحا فيما يتعلق بالتكامل الاجتماعي والاقتصادي.

* أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن الأميركية

* خدمة «نيويورك تايمز»