إنها الحرب.. باردة وصدام مباشر

TT

على الرغم من الصخب الإعلامي، لا خطر «وشيكا» يدق الأبواب على أي من الطرفين. فالمناورات البحرية الإيرانية والتهديدات بغلق مضيق هرمز ليست جديدة مع أنها تكتسب أهمية خاصة حاليا. ففي زمن الشاه كانت المناورات القتالية الواسعة تجري على مقربة من حدود العراق، ومعظم القواعد الجوية ومعسكرات التشكيلات القتالية الضاربة كانت ولا تزال منتشرة في مناطق غرب إيران. ما يدل على أن الشعور بالتهديد محدد من - أو باتجاه البلاد العربية. وهو إلى حد ما تصنيف استخبارات تقليدي لاتجاهات التهديد، مقارنة بالاتجاهات الأخرى قبل أن تحكم طالبان أفغانستان. لذلك لا ضرورة للشعور بالاستفزاز أكثر من اللازم من ناحية «التوقيت»، فلا حرب تصادم مباشر على الأبواب.

الإيرانيون صعدوا لهجتهم مستخدمين لغة التهديد بغلق المضيق إذا ما تعرضوا لمقاطعة نفطية وعقوبات أكثر إيذاء. وجاء الرد الأميركي بما يدل على وجود خطط مفصلة لإعادة فتحه، فالمضيق هو المضيق بحيويته القصوى، وغلقه يعني حربا لا يستبعد أن تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية «التكتيكية» لمجابهة قوة تقليدية كبيرة. فالحسابات للصراع مع إيران لا ترهق السياسيين العرب وحدهم، بل ترهق الغرب بكل ثقله. فالدول الغربية ليست مستعدة لخوض حرب «تقليدية طويلة» ولن تزج بكتيبة برية واحدة على الأراضي الإيرانية. لذلك، قد لا يكون التفكير في إطار تقليدي للحرب مطروحا في الذهن الغربي. ووفقا لحسابات سريعة فإن الاستعدادات المتواصلة جعلت إيران قادرة على غلق المضيق لمدة يتوقف حسابها على رد الفعل والتحضيرات المقابلة، وحشد القوة. وبما أن حشد القوة غير متوافر حاليا، فحساب الوقت قد يمتد إلى عدة أشهر، وهي مدة مؤذية جدا للاقتصاد العالمي. وهذا يمكن الإجابة عنه من خلال رصد المتغيرات في حشد القوة، وما يقال عن تدفق للسفن القتالية إلى منطقة المضيق لا يزال هامشيا, أما الألغام البحرية فيصعب القرار بنثرها.

ومع أن قرارا بغلق المضيق يفترض عدم اتخاذه، ويبدو مستبعدا حاليا، إن لم يكن انتقاما لانهيار شامل لم تظهر حتى الآن ملامح تذكر عنه، فإن خطوة كهذه قد تحدث ضمن آليات الحرب، التي لن تكون منطقة المضيق بعيدة عنها.وسيكون من المستحيل أن تجد دول الخليج نفسها متفرجة على ما سيحدث، لأنها قلب منطقة الصراع.

العقوبات الاقتصادية الهادئة على إيران تزايد تأثيرها على الوضع العام في بلد ليس بعيدا عن المعضلات الداخلية التي تعج بها المنطقة، فكل شيء في الشرق الأوسط أصبح متحركا، والانفجارات لا تزال في مرحلة التحضير وستستمر بكل أشكالها، وصولا إلى مرحلة أخرى سيتغير بها وجه المنطقة. فلم يكن أحد يتوقع موجة ما يسمى «الربيع العربي» كما حدثت، وقد ركبت أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية الموجات الشعبية لخوض حرب إقليمية باردة، وبرعت أقل الدول نفوسا بركوب الموجة الشعبية وأصبحت لاعبا أساسيا فيها، واللاعب العربي الرئيسي بلا منازع، فاستحوذت بمهارة على إرث عبد الناصر بطرق بعيدة عن الثورية وبلا شعارات ولا حزب قومي أو أممي.

اضطرابات وثورات وانتفاضات شمال أفريقيا خفت بريقها، وبدأت دائرة الأزمة في إطار تركيا وإيران والخليج والعراق وسوريا تزداد احتكاكا، ولم ترصد تحركات دبلوماسية تدل على رغبة في منع تحول الحرب الباردة إلى صدام مصيري من المرجح وقوعه.

الآن، تعيش منطقة الشرق الأوسط حرب استخبارات ساخنة، ولم تعد مثل هذه الحرب حكرا على دول بعينها، فقد اكتسبت دول المنطقة قدرات استخبارات متقدمة، وهو ما تظهر ملامحه من خلال الدور الرسمي العربي في ما يجري من أحداث، فمن دون استخبارات قوية لا أحد يستطيع المجازفة في الدخول في معمعة خطيرة.

قد لا تكون حرب الاستخبارات كافية لتحقيق أهداف ما يحدث، وما يحدث بدأ عفويا فتفاعلت الاحتقانات، إلا أن أجهزة الاستخبارات ركبت الموجة وستنتهي بحرب تغيير طويلة شاملة.

إنها الحرب!