تركيا في مفترق طرق

TT

لماذا استمرت إدارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، رغم كل التحذيرات التركية، في المضي قدما لاعتماد ما يسمي «مشروع قانون تجريم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن»؟ لقد كان واضحا منذ البداية أن ذلك المشروع سوف يغضب الأتراك ويدعوهم لسحب السفير التركي تحسين بورجو أوغلو من باريس «لبعض الوقت»، وربما لن يذهب الرئيس التركي الجريء والمقدام «إلى فرنسا مرة أخرى». وماذا أيضا؟ في الواقع، سوف تتعارض أي إجراءات عقابية تتخذها تركيا مع التعاون التجاري والصناعي بين البلدين؛ إما مع اتفاق الاتحاد الجمركي، أو مع لوائح منظمة التجارة العالمية بشأن التجارة الحرة.

ومع ذلك، تثبت التجارب السابقة للمجتمع الدولي أن الأتراك شعب عاطفي ينسى بسرعة كبيرة للغاية، فعلى الرغم من أن الأتراك قد ينفجرون غضبا نتيجة أحد المواقف التي تتخذها أي دولة أجنبية، فإنهم سرعان ما ينسون كل شيء في غضون فترة قصيرة - تتراوح بين ثمانية وعشرة أسابيع - ويعودون إلى «العمل كالمعتاد». هل نسي الفرنسيون ماذا حدث في أعقاب تبنيهم ما يسمى «مشروع قانون الاعتراف بالإبادة الجماعية» في عام 2001؟ قام بعض المتظاهرين بحرق سيارة «رينو» تركية الصنع ومزقوا بعض الملابس الجاهزة فرنسية الصنع. ولم يغضب الفرنسيون مطلقا حينئذ، ولماذا يشعرون بالغضب من حرق أو تمزيق أشياء دفع الأتراك ثمنها؟

وفي غضون بضعة أسابيع قليلة، تحولت نيران الأتراك إلى رماد وأصبح ما حدث جزءا من التاريخ وعادت العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي وإلى «العمل كالمعتاد». وتم الاحتفال بـ«يوم الباستيل» في الحديقة الفخمة والشهيرة لمقر السفارة الفرنسية في أنقرة، وحضر حشد من الوزراء وكبار المسؤولين والأكاديميين ورجال الأعمال ووسائل الإعلام للاحتفال بذلك اليوم واحتساء النبيذ التركي وتناول الجبن الفرنسي!

وهذا هو السبب الذي جعل وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه متفائلا عقب اعتماد «مشروع قانون تجريم إنكار الإبادة الجماعية» للأرمن يوم الثالث والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، حيث قال: «إننا بحاجة إلى علاقات جيدة معهم (تركيا)، كما أننا بحاجة لاجتياز هذه المرحلة. في الحقيقة، لدينا علاقات اقتصادية وتجارية مهمة للغاية، وأتمنى أن لا تتأثر حقيقة الموقف بالمسائل العاطفية».

والآن، هل يمكن لأنقرة أن تمضي قدما في تحدي ما قبل التصويت على مشروع القانون وتلغي كل الاجتماعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، أم تشجع الأتراك على مقاطعة المنتجات الفرنسية؟ هل تنتظر تركيا لمدة أيام قليلة حتى يوقع ساركوزي على مشروع القانون ويحوله إلى قانون رسمي حتى تفكر في «العقوبات» التي ستفرضها على فرنسا؟ هل سيؤدي القرار إلى - حسب تصريحات بورجو أوغلو - «قطع العلاقات نهائيا» بين البلدين؟ هل تقوم أنقرة بخفض العلاقات الدبلوماسية من خلال استدعاء السفير التركي في باريس وطرد السفير الفرنسي من أنقرة؟

في الواقع، مهما كان رد الفعل التركي، فإن التصويت الفرنسي قد جعل تركيا أقرب إلى اتخاذ قرار نهائي بشأن موقفها الأوروبي. هل ما زال يتعين على تركيا المطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من ازدرائها من خلال الاعتداء المباشر، أو من خلال حروب بالوكالة مثل الاتهامات بإبادة الأرمن أو قضية قبرص؟

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يتعين على تركيا الاستمرار في طريق الاتحاد الأوروبي أم لا؟

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية