النخب المنفصلة عن الجماهير في منتدى دافوس

TT

كان لدى منظمي المنتدى الاقتصادي العالمي ما يكفي من القدرة على النقد الذاتي لتنظيم مجموعة من الاجتماعات النقاشية هذا العام حول موضوعات قاتمة، مثل «هل الرأسمالية على وشك السقوط؟»، و«المخاطر العالمية في 2012: بذور الديستوبيا». وكانت هذه مجرد الحلقة الأخيرة في سلسلة من التأملات السنوية التي تحدث في هذا المنتدى، والتي تدور حول الاضطرابات في حركة العولمة، التي يرمز لها هذا المؤتمر.

ومن الصعب أن يكون المرء مقنعا في دور المبشر بسقوط الغرب عندما يكون محاطا بكل هذا الطعام والشراب الجيد، ناهيك عن كل هذه الأموال الكثيرة. لكن دعونا نتأمل جانبا واحدا مما يمكننا أن نطلق عليه اسم «ديستوبيا دافوس»، وبشكل أساسي الطريقة التي قامت بها النخبة، عن غير قصد، والتي يمثل مؤتمر دافوس رمز تواصلها، بتقويض التماسك الاجتماعي في بقية أنحاء العالم الأكثر اتساعا، حيث إنه على الرغم من أن النخب قد أصبحت مرتبطة على نحو أفضل، فإنه يبدو أن الاستياء تجاههم قد بدأ ينمو في أوطانهم، مؤججا موجة من السخط.

كانت جلسات مؤتمر دافوس القاتمة بمثابة اعتراف بأن عام 2011 كان عام الاحتجاج، من احتجاجات «احتلوا وول ستريت» إلى احتجاجات «حزب الشاي» و«الربيع العربي» وأعمال الشغب في لندن واليونان.

والسؤال إذن هو: كيف تعمل هذه الدورة المشتركة من انقطاع الاتصال والعولمة في آن واحد؟ والحقيقة هي أن من نراهم هنا في هذا الجمع العالمي هم بعض من أذكى رجال الأعمال والقادة السياسيين، الذين جاءوا لمناقشة مجموعة من المشاكل المشتركة. ورؤية هذا الكم الكبير من المواهب العالمية مجتمعة في مكان واحد، لهو من الأشياء التي تجعل المرء يصاب بالدوار. وقد أصبحت هذه النخبة متصلة على نحو متزايد بالمؤسسات العالمية الكبرى، والتي تتضمن الجامعات، مثل هارفارد وستانفورد، والشركات، مثل «غوغل» و«مايكروسوفت»، والمؤسسات المالية العملاقة العالمية، مثل مصرف «غولدمان ساكس».

وهذه النخبوية التي يتميز بها منتدى دافوس هي نخبوية شاملة، حيث أصبح المنتدى يجتذب الأباطرة الصاعدين في البلدان النامية، ويدمجهم في صفوف الأباطرة الأميركيين، والبريطانيين والألمان والفرنسيين، الذين كانت لهم الهيمنة يوما ما. ويعد هذا الملمح أحد أفضل جوانب المنتدى، حيث نرى الصينيين والهنود والمصريين والباكستانيين وهم يسيرون في الشوارع مرتدين الأحذية طويلة الرقبة المخصصة للسير فوق الجليد، جنبا إلى جنب مع المضيفين السويسريين. لقد أصبحوا جزءا من العالم المتصل بعضه ببعض، مثلهم في ذلك مثل مصرفيي الغرب المحافظين ورؤسائه التنفيذيين. لكن دعونا نفكر للحظة واحدة في الجانب الآخر من هذه العملية، حيث إنه عندما يتصل «أذكياء ومهرة» العالم النامي بالشبكة العالمية، فإنهم ينفصلون في الوقت نفسه، وبشكل حتمي، عن شبكات التواصل السياسية والثقافية والتجارية المحلية الخاصة بهم. وهذا هو شكل آخر أخف حدة مما كان قد اصطلح على تسميته بـ«هجرة الأدمغة»، حيث يحتفظ أصحاب المشاريع بأعمالهم، التي تجني لهم الأموال، في أوطانهم، لكنهم ينضمون هم وأسرهم إلى النخبة العالمية، التي تقيم في شبكة من الفنادق الفاخرة، مثل «فور سيزونز»، ويدرس أولادها في جامعات رابطة اللبلاب ذات الرسوم الدراسية الباهظة.

لكن ما الذي يحدث في أوطان هؤلاء الناس؟ ما يحدث هو أن الغضب يبدأ في الغليان، حيث أصبح الغضب ضد النخب ظاهرة عالمية قوية في هذه الأيام، لا تختلف شدتها من أميركا إلى مصر. فالناس يشعرون بالاستياء من النظام الذي يوفر عائدات متزايدة لذوي السلطة والامتيازات، ومن ثم ينزلون إلى الشوارع احتجاجا على ذلك. وفي مناطق مثل العالم العربي، حيث فقدت النخب بشكل خاص قدرتها على الاتصال بالجماهير، يمكن أن ينفجر هذا الغضب في شكل ثورة.

وإذا ما حاولنا معرفة لماذا أصبح القادة الصينيون عصبيين إلى حد كبير، سنجد الإجابة في أنهم يعرفون جيدا أن هناك مليار شخص في المناطق النائية يشاهدون النخبة الصينية على شاشات التلفزيون ويحسدون الأغنياء من شنغهاي وقوانغتشو، الذين اغتنوا منذ فترة قريبة، والذين أصبحوا يشترون أمتعتهم التي يستخدمونها في رحلاتهم في الخارج من المتاجر العالمية، مثل «لويس فويتون». وهذا هو السبب في أن الصينيين قد أصبحوا يتحدثون كثيرا عن «النمو المتوازن»، حيث إنهم يرغبون في توزيع بعض من هذه الثروة الجديدة، وذلك من أجل تخفيف الاستياء ضد الأغنياء في المدن الساحلية. ولم يكن الناس الذين ملأوا فراغ السلطة، عقب سقوط النخب المحلية الفاسدة في مصر وتونس، من الذين يمكن أن تتم دعوتهم لحضور منتدى دافوس من قبل. فهم ينتمون لمجموعة من المنظمات والجماعات المستبعدة، مثل الإخوان المسلمين، وإن كان انفصالهم هذا عن النخبة العالمية هو أحد الأسباب التي جعلت هؤلاء الثوار يتحدون بفاعلية مع شعوبهم، فهم لم يفقدوا أبدا اتصالهم بالشبكة المحلية، حيث إنهم ظلوا مختلطين بالجماهير في المساجد والأسواق.

لكن الجزء التالي هو الأكثر إثارة للاهتمام، وهو السبب في أن عملية العولمة ما زالت محتفظة بديناميتها، فقد كان هناك بعض الثوريين، الذين قادوا بعض الثورات التي اندلعت في عام 2011، والذين ذهبوا هم أيضا إلى دافوس الأسبوع الماضي، وكأنما ذهبوا ليحجزوا مقاعد لهم هناك، حيث كان من بين المناقشات الأكثر إثارة للاهتمام، والتي عقدت هنا في المنتدى، مناقشة تضمنت عبد المنعم أبو الفتوح، وهو عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين وأحد المرشحين الحاليين لمنصب الرئاسة في مصر، ورشيد الغنوشي، المؤسس المشارك لحركة النهضة الذي وصلت للسلطة في تونس.

وعملية التجديد الذاتي هذه هي التي تسمح للنظام بالبقاء، حيث غابت وجوه الرأسماليين المصريين المعتادة، والذين لم يكن السيجار يفارق أيديهم، عن منتدى دافوس هذا العام، وحل محلهم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. وكانت الرسالة التي وجهها هؤلاء إلى المصرفيين وكبار رجال الأعمال هي أن مصر الجديدة وتونس الجديدة ترحبان بالاستثمارات الأجنبية. ودعونا نأمل في أن يتمكن الثوار الجدد من إيجاد وسيلة تمكنهم من الاتصال بالشبكتين معا في آن واحد.

* خدمة «واشنطن بوست»