إياد علاوي.. مفترق طرق

TT

الإعلام العراقي سلط الضوء كثيرا في الآونة الأخيرة على مجموعة من النقاط التي تهم الشارع العراقي، وفي مقدمتها الأزمة الأخيرة التي يمكننا وصفها بأم الأزمات، لكونها جاءت في توقيتات يعتبرها البعض غير مناسبة، على الرغم من أن الأزمة دائما تختار الوقت، ولا يُفرض عليها، بل هي التي تفرض الوقت، وإلا لما أصبحت أزمة.

ابتدأت الأزمة العراقية الأخيرة بمحور الأقاليم لتنتهي بمذكرة اعتقال الهاشمي، أي أنها لم تبدأ بمذكرة الاعتقال، وإلا لأخذت منحى آخر، فالأقاليم وتشكيلها، كما يعرف الجميع، مسألة دستورية، وهناك من يقتنع بها، وهناك من يرفضها، ولكنها في كل الأحوال حالة من النظام الإداري والاقتصادي نحن بالتأكيد لم نصل لها بعد، وبحاجة لفترة من الزمن نكون قادرين فيها على تهيئة الأرضية المناسبة لأن تتبلور صيغة الأقاليم بشكلها الإيجابي التنموي، وليس الغايات السياسية التي ترمي للضغط على الحكومة المركزية وإضعافها، على حساب تقوية الحكومات المحلية، إذ إن المسألة هنا ليست مسألة صراع بقدر ما هي مسألة بناء دولة فيدرالية بصيغ صحيحة تؤمن أن تأخذ الأقاليم دورها في حال تشكيلها، ولا تكون عبئا على صناعها وجمهورها.

وربما شعر المتلقي العراقي بأن الأسابيع الأخيرة ضخت له كمية هائلة من المعلومات والخطابات السياسية والقانونية جعلته يدرك جيدا أن العراق بلد الأزمات والتوافقات.

ويمكننا القول إن أكبر الخاسرين في الأزمة الأخيرة هي القائمة العراقية، التي واجهت محنة كبيرة وإعلاما نال منها كثيرا، وربما هي بتصرفاتها وخطابها سمحت بذلك وأسست له، وما مسألة الانسحابات الكثيرة منها، وبالتحديد حركة الوفاق، إلا دليل على أنها تحتاج لمراجعة شاملة لكي تبقى موجودة.

علينا هنا أن نقول إن الإعلام؛ سواء المقروء أو المرئي، لعب دورا كبيرا في صناعة المشهد المناهض للقائمة العراقية، لدرجة أن أغلب أعضائها غادروا بغداد صوب أربيل والأردن، خاصة بعد أن هددت القيادات الأمنية بعرض المزيد من الاعترافات لحماية نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي.

هنا علينا أن نسأل: لماذا وصلت الأمور لهذه الدرجة من التأزيم السياسي الذي انعكس على الوضع الأمني؟ ألم يكن بمقدور القائمة العراقية أن تتجاوز هذه الأزمة وتضع المطلوبين أمام القضاء وتدافع عنهم بعد ذلك؟ ألم يكن بمقدورها أن تجد بديلا لنائب رئيس الوزراء الذي تجاوز في كلامه أم إن ما قاله هو رأي القائمة العراقية، وبالتالي يصبح التمسك به ضرورة وخطا أحمر لا يمكن تجاوزه! بالتأكيد هناك حلول لم تُطرح في نقاشات العراقية التي ظلت تراهن على شعارات لا تمت للواقع بصلة، شعارات أشبه ما تكون بالتهديدات التي غلفت خطابات العراقية سنوات طويلة.

أخطاء القائمة العراقية كثيرة، لعل أخطرها محوران؛ الأول الأقاليم، والثاني محاولة الاستقواء بالخارج، وهذا ما تمثل في توجيه رسالة لأميركا للعودة من جديد لإدارة شؤون العراق، وهذا ما يجعلها مسلوبة القرار والإرادة، وهذا ما تجلى في حيثيات الأزمة الأخيرة، التي وجدت فيها القائمة العراقية نفسها محاصرة بين رأي عام يلقي عليها تهما كثيرة، ودول إقليمية وجدت نفسها غير منشغلة بالشأن العراقي، كما كانت في السابق، وبالتالي فقدت توجهات زعماء القائمة العراقية بوصلتها، وأخذت تفقد قياداتها في المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط، بما في ذلك أعضاء في مجلس النواب، وهذا سيشكل بداية نهاية هذا التحالف، خاصة أنه أمام مفترق طرق حقيقي؛ إما الاستمرار في الشراكة بموجب الدستور أو أخذ دور المعارضة البرلمانية، هذا هو الحل الذي تجد فيه الكثير من القوى السياسية، سواء الشيعية منها أو الكردية، مخرجا للأزمات المقبلة، وليس للأزمة الحالية فقط.

فالشراكة أثبتت فشلها، خاصة من وجهة نظر الشارع العراقي، وحتى من وجهة نظر الكثير من القوى السياسية في البلد، بما فيها القائمة العراقية، التي تجد أنها مهمشة على الرغم من حصولها على مناصب كثيرة ومهمة.

إذن ما المطلوب من القائمة العراقية الآن في ظل الكثير من السيناريوهات المطروحة؟ في اعتقادي الشخصي، فإن القائمة العراقية تنقسم لنوعين؛ الأول حقق مكاسب سياسية وتسلم مواقع ووزارات، والقسم الثاني لم يتحقق له أي شيء، وفي مقدمتهم الدكتور إياد علاوي، الذي من وجهة نظر قادة القائمة العراقية يكفيه أن يكون رئيسا للقائمة، وهنا علينا أن نقول إن المشكلة الآن ليست مشكلة القائمة العراقية بقدر ما هي مشكلة السيد إياد علاوي، الذي اكتشف أخيرا أنه الخاسر الوحيد من الديمقراطية المبنية على أسس طائفية.